الاصلاح .. الاصلاح .. الاصلاح
المحامي مازن الحديد
11-05-2021 10:39 PM
الاصلاح عملية شاملة ومركبة لا يمكن اغفال جانب منها على حساب الأخر الا انه وضمن الواقع الاردني الراهن ونظراً للتحديات القائمة والمتراكمة فان ركيزة الاصلاح في الاردن تقوم على الجانب الاقتصادي.. الاقتصادي.. الاقتصادي.
يتم الاصلاح الاقتصادي عبر ايجاد حلول وصيغ تؤدي الى معالجة المشكلات الاقتصادية التي تؤدي الى محاربة الفقر والبطالة والخروج من حالة الركود التجاري عبر اعادة الثقة لرأس المال المحلي واستقطاب الخارجي.
وبهذا الخصوص فان تبني المنهجية الواقعية في التعاطي مع التحديات الاقتصادية عبر تقسيم الخطط الى مراحل تستند على معيار ما هو ممكن ومتاح حالياً الذي من شأنه ان يبعث الامل المفقود بتحقيق تقدم اقتصادي في الافق القريب. و بالرغم من اهمية وضع استراتيجيات اقتصادية عمادها الاعتماد على الذات تسعى الى النهوض بالقطاعات الواعدة وابرزها السياحة واللوجستيات وصناعة تكنولوجيا المعلومات والتي من شأنها ان تهدف الى ايجاد حلول عبر تبني اجراءات اصلاحية اقتصادية متوسطة وبعيدة المدى تعمل على تعظيم مكاسب كافة القطاعات، الا انه من الضروري وعبر مسار متوازي العمل على ايجاد حلول سريعة تكفل على اعادة بناء الثقة والامل للاقتصاد الوطني عبر تعزيز شبكات الامن الاجتماعي الاقتصادي والتي من شأنها ان تؤدي الى التخفيف من وطأة تداعيات الازمات الاقتصادية المتراكمة واخرها المتصلة بتداعيات الوباء والاجراءات الاحترازية المتخبطة التي رافقته.
التحدي هنا يكمن بأن هذه الاجراءات العاجلة ستتطلب كلف مالية غير متاحة حالياً ضمن الموازنة العامة التي تعاني اصلاً ومنذ سنوات من عجز مالي مستدام، وبالتالي لا يتوفر حالياً خيار الا عبر العمل الدؤوب لضمان توفير مساعدات مالية خارجية اضافية وعاجلة قبل ان يداهم الوقت الاقتصاد الوطني، مع الاخذ بعين الاعتبار ان من اخطر عمليات الاصلاح هو تلك التي تمضي بالشق السياسي بدون ان يرافقها معالجة واقعية وحقيقية للتحديات الاقتصادية لأن أغلب مطالبات الإصلاح السياسي في جوهرها اقتصادي، و بالتالي اغفالها يؤدي الى تغليب المقاربات العاطفية على العقلانية واللجوء الى الشعبوية الضالة والتي من شأنها ان تؤدي الى الاحتقان والانقسام الاجتماعي.
وبموجب ذلك فانه من المؤسف ان لا مهرب في الوقت الراهن من خيار استقطاب وجلب المساعدات المالية التي من شانها ان تمكن الاقتصاد الوطني من النهوض والتأسيس لمرحلة الاعتماد على الذات المستقبلية، ولكن في الواقع فان هذه المساعدات مرتبطة بشكل اصيل بالسياق والدور السياسي، مما اعتقد انه سيتطلب مراجعة شاملة تهدف الى اعادة الاعتبار للدور المركزي والمحوري للأردن، والذي لم يتغير، الا ان اعادة التموضع الاستراتيجي الأردني لم تجري مؤخراً بوتيرة تواكب التغييرات السريعة اقليمياً ودولياً بل على العكس فإنها تتم ببطء شديد، وبصيغة لم تفهم الواقع الجيوسياسي الجديد، ولا ينصف حقيقة وواقع بأن الاردن ما يزال وسيبقى دولة مركزية في المنطقة. وبشكل متصل فانه من المهم اعادة روح المبادرة والثقة فيما يخص علاقاته الدولية وقضاياه الرئيسية، والاشتباك العميق مع كافة الأطراف عبر نشاط خلاق غير تفاعلي ويتجنب التشتت ولا يكتفي فقط بالتصريح وبيان المواقف.
ستتطلب عملية تحويل التحديات والمستجدات السياسية الى فرض المرونة عبر توسيع مساحة المناورة السياسية والتي من شأنها ان تمكنه من توظيف ما استجد نتيجة الاتفاقيات الابراهيمية لصالح اهدافه المتصلة بقضيته المركزية مستنداً على المرجعيات القانونية المتفق عليها عربياً ودولياً والتي من شأنها ان تجعله في مقعد القيادة فيما يخص اي تعاون اقليمي مستقبلي.
وللأردن دور رئيسي أمني في المنطقة يعمل على صد كافة التشوهات والخروقات الامنية في هذا الاقليم الملتهب سواء التي تسببت بها نشاطات التنظيمات الارهابية والمجموعات المسلحة المدعومة من دول، وايضاً التداعيات الناجمة عن انتقاص سيادة بعض الدول في المنطقة وغياب سيطرتها على كافة اراضيها بحيث اصبحت دول فاشلة بالمفهوم السياسي يتم ممارسة لعبة الامم وحروب الوكالة على أراضيها المتاخمة لحدودنا.
كما للأردن دور انساني دولي تمثل بتحمله للمسؤولية ونيابة ًعن المجتمع الدولي عبر استمراره باستضافة الملايين من اللاجئين ويتحمل كلفهم المالية والاقتصادية والاجتماعية والامنية مما يستوجب على المجتمع الدولي وبالأخص الدول الصناعية منها المشاركة بتقاسم هذه الأعباء والمسؤولية بموجب ما يستند علية القانون الدولي.
الا انه من الضروري طرح المواقف الأردنية وميزته النسبية بجرأة وثقة، والعمل على تعزيز القناعة الدولية بأن دعم التجربة الاردنية هو مصلحة دولية وليست معونة انسانية، وأيضا ان لا يعتبر استقراره إذا ما ترك لوحده امراً مفروغاً منه خاصة في هذه الظروف الحالكة، فالأردن المستقر والمعتدل والمتسامح والانساني يشكل انموذجاً لدول المنطقة وأهميته الجوهرية للأمن الاقليمي والدولي حقيقية.. حقيقية ..حقيقية.