نشطت الحوارات السياسية خلال شهر رمضان، ويتصدر المشهد رئيس مجلس الأعيان من خلال لقاءاته المكثفة مع فاعليات برلمانية وسياسية وحزبية وعشائرية من المتوقع أن تمتد لتشمل مختلف محافظات المملكة بعد استقرار الوضع الوبائي.
الحوارات جاءت بمبادرة ذاتية من رئيس الأعيان كما أعلن، وهي في إطار التواصل والعصف الذهني والتشبيك مع مختلف القوى السياسية والاجتماعية والاقتصادية للتأسيس لحوار وطني موسع وممثل يُمكن الجميع من المشاركة السياسية الفاعلة والمنتجة.
فكرة الحوار أمر جيد ومستحسن، وهي توطئة لتشكيل تصور عام عما يدور من أفكار ومقترحات لدى المجتمع بكل ألوانه وأطيافه. ويمكن من خلال تلك الحوارات أن يتم تحديد نقاط الخلاف والاختلاف وما يعتقد أنه معيق للشروع في إصلاح سياسي واقتصادي حقيقي، ولكن هذا يجب ألا يكون تحت ضغط المرحلة الراهنة والتداعيات التي فرضتها كورونا والأحداث الاخيرة وكأن الأمر استجابة عاجلة تهدف لتسكين الأمور بأي طريقة.
المبادرة يمكن تفهمها لو بقيت في إطار الاستكشاف واستعراض التوجه العام. ولكننا سمعنا مواقف يتبناها رئيس مجلس الاعيان ونائبه حول قانون الانتخاب وقانون الأحزاب وقانون البلديات واللامركزية. ولا أعرف إذا ما كان هذا الاستهلال سيؤدي لنجاح الحوارات طالما أنها تحمل موقفاً مسبقاً وخاصة في موضوع خلافي وهو الصوت الواحد.
هناك أصوات تنتقد الطريقة التي اختارها رئيس المجلس طالما أن الحوار ينطلق من رغبة ذاتية بمعنى أنه غير مؤسسي، فالأصل أن يترك للحكومة إجراء الحوار واستخلاص النتائج التي تعكسها في مشاريع قوانين تعرض على مجلس الأمة وعندها يمكن أن يشرع مجلس النواب ومجلس الأعيان بحوار وطني شامل يتم التوافق فيه على إنجاز منظومة قوانين الإصلاح السياسي.
المهم اليوم قبل الشروع في أي مقترحات للإصلاح السياسي إعادة تقييم تجربة الحياة السياسية التي مرت بمفصلين أساسيين خلال أزيد من ثلاثين عاماً. الأول تجربة انتخابات العام 1989 وما تلاها من إقرار قانون الصوت الواحد في انتخابات العام 1993 والذي يغيب ويحضر بأشكال مختلفة. ولاحقاً التعديلات الدستورية في العام 2011 وبيان نقاط القوة والضعف والتغذية الراجعة بعد ثلاثة عقود على تجربة التحول الديمقراطي.
مهمة إعادة المراجعة لمنظومة قوانين الإصلاح السياسي هي مهمة حكومية خالصة. ويبدو أن حكومة الدكتور بشر الخصاونة تعمل على إجراء هذه المراجعة على قدم وساق من خلال لجنة وزارية لن تتأخر كثيراً في بيان مخرجاتها من خلال مشاريع قوانين ترسل لمجلس الأمة خلال الأشهر القادمة.
بالتوازي مع ذلك يبدو أنه من الأنسب أن يتم تشكيل لجنة على مستوى وطني تحظى بدعم ورعاية ملكية وتنطلق من الأوراق النقاشية التي تجمع عليها القوى السياسية والاجتماعية كمدخل للشروع في عملية الإصلاح.
الأهم من كل الحوارات ألا يقع الجميع بمن فيهم الحكومة تحت ضغط الوقت وألا تأخذنا الفزعة والانفعالات الطارئة بإنجاز أي منظومة للقوانين. يجب أن يكون في حسبان الجميع أننا نؤسس لمستقبل وعلينا أن نأخذ الأمور بهدوء وأن نراعي خصوصية الظرف السياسي الذي يعيشه الأردن والذي لا يحتمل أي مغامرة غير محسوبة حتى وإن حملت مضموناً نسعى له جميعاً وهو الإصلاح السياسي.
(الغد)