الحوارات أداة نوعية لتطوير المسارات الوطنية في كافة دول العالم، وعلى المستوى الأردني يشكّل الحوار السياسي المنشود حول التشريعات الناظمة للحياة السياسية مدخلاً واسعاً للحديث عن الإصلاح الشامل (سياسياً واقتصادياً واجتماعياً)، وإذا ما أردنا أن نبدأ حواراً وطنياً اصلاحياً علينا أن نتفق بأن الجهة التي ستشرع بهذا الحوار يجب أن تمتلك ما يؤهلها من الصلاحيات القانونية والدستورية لإنجاح الحوار والقدرة والسلطة على ضمان تنفيذ مخرجاته، سيما وأن هذه المرحلة ليست كما سبقها إذ أن نسب الثقة الشعبية باتت متراجعة إلى نسب لا يحمد عقباها، وهنا فإن أي حوار وطني يجب أن عقلانياً مبيناً على أطر زمنية قابلة للتطبيق وفقا لضمانات واضحة.
وإذا ما خضنا بمضمون الحوار فيجب أن نتفق على أن كافة التشريعات السياسية يجب أن يتم فتحها على الطاولة، ولكن ومن خلال خبرتي في مراقبة الانتخابات أعي جيداً بأن النظام الانتخابي له أهمية كبيرة جداً في تحديد الإطار السياسي للدولة، ولكن أيضا ربما يكون في ترسيخ استقلالية الهيئة المستقلة للانتخاب وتعديل قانونها وفقا لقواعد تمكن الهيئة من سرعة البت في القضايا المرتبطة بالعملية الانتخابية ضمن مدد زمنية محددة ومن خلال هيئة قضائية ضمن الهيكل التنظيمي للهيئة المستقلة للانتخاب تجعلها صاحبة الولاية في الأحكام والقضايا لوقف الممارسات السلبية التي تفقد ثقة المواطن في العملية الانتخابية وعلى رأسها عمليات شراء الأصوات.
وعودةً على الحوار وتنفيذه ومن الجهة التي يقع على عاتقها قيادته فيجب على هذه الجهة الدخول مباشرة في «التابوهات» المسكوت عنها والتي طالما شكلت تحديات امام قوانين الانتخابات منذ 1993 ولغاية الآن، من الكوتات الى توزيع للدوائر الانتخابية وصولا الى ربط مدخلات الانتخابات ومخرجاتها بالأطر التنظيمية وخصوصا الحزبية منها وإيجاد ضمانات كافيه على منع اي تدخلات في العملية الانتخابية وتقديم نماذج من الأنظمة الانتخابية تؤدي الى عمل برلماني كتلوي فاعل.
كما يجب ان يبنى هذا الحوار على نموج ديمقراطي تنظيمي، الأمر الذي يتطلب إعداد وثيقة وطنية ضمن نهج تشاركي مسؤول بين مختلف الجهات التنفيذية والتشريعية ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات التمثيلية، وبالاعتماد والاستفادة من التجارب العربية والعالمية في هذا الإطار ومع إيجاد ضمانات لإقناع كافة الجهات بأهمية وأولوية الحوار ومخرجاته لتعزيز الثقة في هذه العملية.
والنصيحة الواجب تقديمها لأطراف معادلة الحوار هي ضمان أن يكون الحوار شاملاً وافياً، لأننا لا نملك ترف الوقت ولا شرائه أو الدوران في حلقة مفرغة والعودة إلى المربع الأول! ويتوجب أن يكون الحوار متعدد الأطراف وليس إقصائياً تشارك فيه كافة الجهات الفاعلة مثل الأحزاب والنقابات والتيارات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني وأكاديميين وخبراء، وغيرهم من القطاعات بهدف تقاسم تحمل المسؤولية بين الجميع ولتقديم تصورات عملية تتناسب مع المستجدات التي تفرض نفسها وبقوة على المشهد السياسي المحلي.
أخيراً؛ إن أي تصور يتم تقديمه لتطوير وانجاح الإصلاح الشامل يتطلب دراسة معمقة تستطيع أن تتجاوز أخطاء الماضي، ويمهد لولادة منظومة قانونية ودستورية تضمن بشكل أساسي تحقيق دولة القانون والمؤسسات وبمشاركة الجميع في صناعة القرار وتضمن إعطاء الناس فرصة أكبر للتعبير وبحرية عن الشكل القانوني الذي يضمن لهم أفضل تمثيل، وفقا لالية تستوعب مفهوم الاختلاف والتعدد على أن تقدم هذه الالية حلولا جذرية لا تجميلية.
(الدستور)