والشيء بالشيء يذكر. على ذمة الساخر عزيز نيسين، فإن سكان دولة ما تعرضوا لوباء ما، فصار قسم من ابناء تلك الدولة يتضخمون باستمرار وقسم آخر يتضاءلون باستمرار. وكان عدد المتضخمين أقل بكثير من عدد المتضائلين، لكن المتضخمين والمتضائلين معا لم يكونوا يشعرون بالتغيرات التي تطرأ على أجسادهم.
صار أولاد المتضائلين يولدون صغارا، وأولاد المتضخمين يولدون كبارا، ولم يشعر الأولاد من الجهتين بأن هناك شيئا غريبا، فقد ولدوا هكذا واعتبروا أن الأمور طبيعية تماما.
أما الصغار فقد ظلوا يتضاءلون حتى لو يعودوا يرون بالعين ، وصاروا يدخلون ويخرجون دون أن يشعر بهم أحد، لكنهم اعتبروا الأمر طبيعيا.
أما المتضخمين فقد كبروا حتى لو تعد بيوتهم تتسع لهم والشوارع تضيق بهم، فصاروا يشتغلون ويشتغلون حتى يتكيفوا مع واقعهم الجديد، فأنشأوا بيوتا أكبر وأسرّة اطول وأضخم، وشوارع أكثر اتساعا.... وخلافه.
الى أن جاء يوم بدأ المتضخمون ينحلون ويهزلون ويقصرون بشكل سريع، فصاروا يصرخون في الشوارع ويولولون. ثم اجتمعوا ليجدوا طريقا للخلاص، فنصحهم الأطباء بتناول أدوية السمنة والمشهيات، لكنهم ازدادوا نحولا يوما بعد يوم...وصارت أمنياتهم أن يتوقف هزالهم فقط، لا أن يعودوا كما كانوا.
أخيرا قرروا استقدام خبير سمنة من الخارج. جاء الرجل وطمأنهم بأن هذا النحول حصل في أكثر من دولة في العالم ، وأنه عالجه بنجاح..و قال بأنه سيقيم بينهم شهرا كاملا وأن عليهم أن يراقبوه ويفعلوا كما يفعل فيتوقف هزالهم، ثم وزن نفسه وقاس طوله ، حتى يتأكدوا عند مغادرته.
عند نهاية الشهر اجتمعوا عند الميناء لوداعه ..فقام بوزن نفسه وقاس طوله أمامهم، وكان ذات وزنه وطوله عندما وصل اليهم .
المشكلة أنهم راقبوا الخبير تماما، لكنه لم يكن يفعل شيئا، كان يـأكل وينام فقط. قال لهم الخبير وهو على الباخرة:
-افعلوا كما فعلت تماما ..أهه؟
لم يعرفوا ما فعل .
وكان الخبير قد قام مبكرا صباح هذا اليوم، فتثاءب أمامهم من النعاس حتى بانت لهاية حلقه. فقال الناس فورا وبسرور :
- لقد فهمنا ..علينا أن نتثاءب ونتمطى مثلك !
لم يسمعهم الخبير وغادر مع السفينة
فشرع الناس يتثاءبون ويتثاءبون طوال الوقت...وبعد أسابيع وزنوا أنفسهم وقاسوا أطوالهم، فاكتشفوا فعلا أن أوزانهم وأطوالهم ثابتة تماما.
الدستور