الحمارنة نهج الاستنارة والتنوير
د. نزار قبيلات
08-05-2021 11:35 AM
الكتابة عن الشخصيات والرموز مغامرة كتابية غير محمودة في الأصل، إذ عليك أن تمرّ باتزان واستقامة على الحبل الممدود بين الصدق و التّزلف، غير أنه وفي ظل غياب واضح للموضوعية و المنطق الذي نشهده في عصر الرقمية هذا، وفي ظل التشويش و التظليل الذي كان أن رفع شأن عديدين ليتبين لاحقا سقوطهم وتورطهم، بات الأمر مطلبا لا مسّ فيه في حال جاء مدموغا بالتجارب والشهود وبعيدا عن الفنون البلاغية والزخرف في المدح والتبجيل والأسطرة.
مصطفى الحمارنة وبعيداً عن المدح السيري والتاريخي سياسيٌ بنهج عملياتي يكره الأسراف في الوقت واللغة؛ لقد خبرته شخصيًا في قطاعات عمل منحتني فرصة الاقتراب من منهجه وطريقة تناوله وتأطيره للمشكلة والمقترح والحل، ولا أدل على هذا النضج في الفهم للعمل الوطني منذ المبادرة النيابية وحتى تقرير حالة البلاد 1و2 من عدم استسلامه رغم سهام التشكيك ومطبات التعطيل ومضايقات الحُلفاء قبل النظراء.
يتسم منهج الحمارنة وطرحه بالاستنارة والمستقبل والبرامجية فهو يُؤمن بالحاضر ولا يلتفت لمربعات الماضي وأوابده؛ إنه عملياً طرح حداثوي مركزه المدرسة الأمريكية التي تعلّمتُ منها أنه يمكنك أن تتخصص حتى بالنّاموس فمنه يمكن أن تنطلق للبحث في الصحة و البيئة و الاقتصاد و الفلسفة الوجودية. أزمتنا في مدح الاشخاص أو ذمّهم واغتيال شخصياتهم تكمن في أنّها تعتمد على الابتزاز الشخصي والتدخل بحريات الأفراد ومعتقداتهم وطريقة عيشهم وبما يعتقدونه من ايديولوجيات...، لم أسمع مرةً أحداً ينتقد نهج عمل الحمارنة وأسلوبه في تناول المشكلات ومعالجتها والحفر حولها بقدر ما كانت تذهب هذه الانتقادات نَحو الشخصي و الخاص والاصطياد في المياه العكرة، ولكي أكون منصفا فأنا لم التقِ بالدكتور الحمارنة منذ أكثر من عام، وكل ما لمسته خلال هذه المدّة منجزه العملي ومقترحات عمل على الأرض وتوصيات شكّلت وما زالت نواميس اهتداء لحكومتين سابقتين على الاقل.
ولتبئير الصورة حول الحمارنة؛ الدكتور قارئ من الدرجة الأولى، يقرأ البنيات التركيبية للمجتمعات و نماذج تطورها وينهل من معين مفكرين وكتّاب غربيين وعرب، ولا يطرب إذ ذاك لكتب الفنتازيا والبلاغة الخيالية، فقد وجدت على مكتبه كتبا للشّرابي كما وجدت بين يديه مرة كتبا لأبرز روّاد حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة الاميركية ، للأسف نهج الحمارنة لم يكتب له أن يتبلور بَعد على شكل تيار فكري اجتماعي أو حزبي لكنه سيظل نموذج عمل واقتداء يحتذى به في زمن تتمركز فيه الواقعيات نحو الأفراد لا التجمعات، فموضُوعيته وحياديّته وتفكيره الحرّ خلّصته مبكراً من أثقال الماضي ببصيرة ترنو لبناء مجتمع سليم في صحته وتعليمه و خدماته على تنوعها، فكم رجلاً بهذا النهج نحتاج دون أن نطلب منهم إحضار فحص لقياس نسب الوطنيّة في الدم والجذر.