الاردن: مخاض فكري و واقع تائه
أ.د. هيثم العقيلي المقابلة
06-05-2021 09:37 PM
اكتب هذا المقال ليكون حجة عن جيلنا في المستقبل حتى لا يقال أننا لم نفهم الواقع و لم نستشرف المستقبل. المفكرين و الأدباء يفهمون أن العالم يتغير ليدخل العصر الرابع في التاريخ الانساني بل و نفهم أن من لن يركب قاطرة ذلك العصر اليوم سيلهث وراء فتات عصر المعرفة و ستبقى بوصلته تائهه. لكن ما باليد حيلة فما يملكة المفكرون ليس أكثر من الصراخ في واد سحيق بعد أن احتل المشهد عتاة ما قبل الرقمية و نجوم اعلام يبحثون عن البهرجة و العنوان و ما يبيع للجمهور بعيدا عن المضمون بدون رسالة تنوير.
سأبدأ باستشراف المستقبل كما أراه ثم اعكف على ما أراه اليوم من تحييد لجيل الطابق المسروق بعد أن اختار ما قبل الرقمية أن يرسموا مستقبل جيل الرقمية و هذا لن ينتج عنه سوا صراع سيحرف البوصلة أكثر و يفتح ابوابا للتيه فالتاريخ علمنا أن الفيزياء لا تقبل الفراغ الناتج عن الصدام بل سيملأ ذلك الفراغ التطرف و التذمر و ما لم يحدث انتقال ثقافي فكري للعصر الجيد سنشهد مزيدا من الفراغ يملأه المحبوسين في الماضي المجيد و المستفيدين من الحاضر العاجز.
ينتقل العالم بتسارع إلى عصر المعرفة بنمط ثقافي قائم على جيل الرقمية و الذي يفتح الافق لنمط و اليات انتاج اقتصادي تناسب ذلك العصر و تتلاشى بتسارع عصور الرعي و الزراعة و الصناعة لتحتل مقعدا خلفيا. انها مرحلة التحول التي ظاهرها فوضى و باطنها صراع على من يقود ذلك العصر القادم خلال سنوات و من سيكون فاعلا و مشاركا فيه من افراد و جماعات و دول. أما بيادق ذلك العصر فهو جيل الرقمية الباحث عن مكانه تحت الشمس القابل للاحتواء و العصي على المواجهة بما يملك من قوة ناعمة تلقائية تنتظر من يوجهها. في غياب نمط ثقافي واضح لاحتواء هذا الجيل فانه سيتحول الى مارد او طفل كبير يحطم الاعراف و الانظمة و الاخطر ان وجد من يحتويه و يوجهه للهدم و التحطيم الفكري داخل البيت و هؤلاء كثر ينتظرون الفرص التي يخلقها الفراغ للأسف.
أما ما أراه اليوم فهو اصرار من جيل أخذ الفرصة تلو الفرصة و تم تدويره من موقع الى موقع لينتج عجزا و ما زال مصرا على نفس النهج حفاظا على مصالحه و مصالح ابناءه و احفادة حالما بأن يعود عصر الاقطاع و العبيد. يتصادم جيل عتاة ما قبل الرقمية مع جيل متمرد حالم يمتلك طاقة هائلة و زخم تسارع لكن تنقصه الحكمة و الدراية.
من يستشرف المستقبل و يركب قاطرة عصر المعرفة اليوم سيكون له مكان و أما من يصر على تجاهل التغيير الذي يحصل في عالمنا فسيبقى اسير صدام اجيال يسير الامور يوما بيوم و يأمل أن يمضي يوم بدون صراع. ان التحدي الاكبر اليوم هو ثقافي فكري و بدون الارتقاء الى مستوى هذا التحدي فالقادم ليس أجمل.