د. سليمان الطراونة .. كيف أرثيك يا صديقي
موسى حوامدة
06-05-2021 06:40 PM
تتوقف الكلمات عاجزةً عن التعبير والتَّشكل، حين تكون الفاجعة بموت صديق وزميل ورفيق عمر وشريك زنزانة بحجم المثقف العربي الدكتور سليمان الطراونة ..الأديب والروائي والمهندس والأستاذ الجامعي..
تحدثنا معًا قبل شهر رمضان وروى لي معاناته مع المرض، وكنت أثق بقوة إرادته وتخطيه لهذا الكابوس ولم يخطر لي أن تكون تلك آخر مكالمة بيننا والتي صحَّح لي خلالها معلومات مهمة مضت عليها أربعة عقود ...... كنت أعرف أنه كان سببًا في خروجي من الزنزانة يوم 29-5 -1979 وكنت قد فهمت أن والده المرحوم الشيخ داود الطروانة ضغط على أحمد عبيدات حين كان مديرًا للمخابرات العامة، والتي كانت قد اعتقلت عددًا من طلاب الجامعة الأردنية، بعد احتجاجات الطلاب على اتفاقية كامب ديفيد ومطالبتهم باتحاد للطلبة، كان عددنا يزيد على أو يقل عن عشرين طالبًا، وكان من بيننا القاص والكاتب سعود قبيلات والمرحومان ناهض حتر ومحمد طمليه .. وبعد عدة شهور من حبسنا في زنازن منفردة، وكما كنت أعرف ونتيجة ضغط آل الطراونة، وافق عبيدات على الإفراج عن سليمان، ولكنه قال لوالده الشيخ داود لا بد أن نفرج عن طالب ثان معه من الضفة الغربية ..كان هذا قبل فك الارتباط ...وهذا ما كان قد تبلور لدي طيلة تلك السنوات ...حتى كانت المكالمة الأخيرة مع الدكتور سليمان والتي عدنا فيها للحديث عن الجامعة والدراسة وسفره الى سلطنة عمان وعمله هناك خبيرًا للسدود، وهو يحمل شهادة دكتوراة في هندسة السدود، ثم عمله أستاذًا في جامعة مؤتة، ثم انتقاله مؤخرًا للعيش في الجبيهة في عمان، ولما قلت له لا أنسى أنك كنت سببًا في خروجي من الزنزانة فسألني وهل تعرف لماذا تم الإفراج عنك معي في نفس اليوم قلت نعم لأن أحمد عبيدات قال نفرج عن طالب من الضفة الشرقية وطالب من الضفة الغربية، فقال لي د. سليمان ضاحكًا من قال لك ذلك قلت سمعت ذلك في الجامعة، ولم يخطر على بالي أن أسألك خلال تلك الفترة، فقال لي: لا وحياتك هذه معلومة خاطئة واسمع ما قاله لي والدي بالحرف ..قلت: تفضل، قال رحمه الله: بعد أن ضغط والدي على عبيدات للإفراج عني، قال له يعني (أحمد عبيدات مدير المخابرات في ذلك الوقت والذي صار رئيسًا للوزراء ثم معارضًا) اسمع يا شيخ داود إذا أفرجت عن ابنك وحده سوف يتهم بأنه يعمل مع الدائرة، هل تريد أن تسبب له مثل هذا الحرج وأن تلبسه مثل هذه التهمة، هؤلاء طلاب الجامعة الأردنية شرسون، ولن يمر الأمر مرور الكرام، فرفض والدي ذلك طبعًا، فقال له عبيدات: إذن دعني أبحث عن طالب معتقل معه معروف بوطنيته ولن يشكك به أحد، وسنخلي سبيليهما معًا، وعلى هذا الأساس تم اختيارك ..وتم الإفراج عنا بعد فترة ..كان ذلك يوم 29 أيار أي في مثل هذا الشهر .. الذي توفي فيه سليمان ..
يا إلهي هل كان الدكتور سليمان ينقل لي ذلك كما حدث حقيقة أم شاء أن يشهد لي بهذه الشهادة التي تحمل ألف معنى ومعنى ..
وبعد، هل تكفي الدموع لنعيك يا سليمان؟
هل تكفي الآيات للصبر؟
هل تكفي تلك الفلسفة التي تعلمناها وحاولنا أن ندركها لكي نتجرع الموت، هل تكفي هذه الأسر التي صنعناها، وظل المستحيل قائمًا، ولم نغيره، هل تكفي الأحلام تعويضًا عن هزائمنا وخساراتنا، هل يحمل أبناؤنا ما حملناه من نار مقدسة بين ضلوعنا ..تلك النار التي أحرقت أرواحنا على كرامة مهدورة، وبلاد مسلوبة، وأعداء سفلة، يريقون دم الكلمات، وكرامة الزيتون، في كل الجهات والأمكنة؟
يا سليمان الشريف والنزيه والنظيف والراقي والنقي ..كيف تترجل قبل أن نكمل الحلم، كيف تستسلم للموت بكل أريحية قبل أن ننتصر عليه ونكبله بقيود العجز..
وداعًا ايها النبوي في زمن الخراب وداعًا أيها العربي في زمن النكران ... وداعًا أيها النقي في زمن التلوث
.. ليرحمك الله
وعلى روحك الطاهرة السلام.