كلام في المحظور .. حادثة الجويدة
اللواء المتقاعد مروان العمد
05-05-2021 08:01 PM
بتاريخ 4 / 3 / 2019 وعلى اثر قيام عدد من المتعطلين عن العمل بالزحف سيراً على الاقدام واعتصامهم امام الديوان الملكي مطالبين بتوفير فرص عمل لهم، كتبت مقالاً بعنوان (ايها الاردنيون لا تحولوا ساحات اعتصاماتكم الى الديوان الملكي)، وذلك لانه كانت لي مخاوفي وقناعاتي بخطورة مثل هذه الخطوة، وان هناك من يلعب على وتر معاناة المتعطلين ويدفعهم باتجاه الديوان الملكي لكي يطالبوه بما هو خارج اختصاصه وحتى يتحول الى خصم لهم ولكل المتعطلين عن العمل. الا ان وعي المتعطلين وادراكهم لذلك فوت على المخططين هدفهم. وفعلاً فقد كشفت الايام التي تلت ذلك صحة توقعاتي ومخاوفي.
وبتاريخ 26 / 4 / 2021 اندلعت مشاجرة في حي الباير بمنطقة الجويدة اسفرت عن مصرع شابين من شباب الطفيلة الكرام عليهما رحمة الله ورضوانه. وقد قامت الاجهزة الامنية المختصة بتوقيف سبعة اشخاص ممن اعتدوا على الشابين واطلقوا عليهما الرصاص وتم ضبط قطعتي سلاح بحوزتهم تمهيداً لاتخاذ الاجراءات القانونية بحقهم.
ولقد كانت هذه الجريمة بغض النظر عن مسبباتها وظروف وقوعها محل استنكار وادانة الاردنيين جميعاً والذين طالبوا بتوقيع اشد العقوبات بحق الجناة على ما اقترفته اياديهم. ومن نافلة القول ان نقول ان كل الاردنيين قد تعاطفوا مع ذوي الضحايا على مصابهم هذا، الا ان ما يجب ان يؤخد في الحسبان ان هذه ليست الجريمة الاولى التي تقع في الاردن ولن تكون الاخيرة، ومنها جرائم ارتكبت من افراد ينتمون الى كلا طرفي هذه الحادثة. وانه من حسن الطالع انه تم اعتقال مرتكبيها في نفس وقت وقوعها. وانه لم يقع اي تقصير من الاجهزة المعنية في القيام بواجباتها لا قبل الجريمة ولا بعدها. الا انه وتحت تأثير الصدمة وما يطلق عليها فورة الدم فقد قام المئات من سكان حي الطفايلة في عمان بالذهاب لبيت الاردنيين جميعاً، وهو الديوان الملكي العامر مطالبين بالقصاص من المجرمين واعدامهم فوراً. وبالرغم من ان سكان هذا الحي لطالما ذهبوا لابواب الديوان الملكي لرفع شكواهم ومظالمهم لايصالها لاب الاردنيين جميعاً جلالة الملك المعظم، الا انه لوحظ ان المطالب في هذه المرة قد نحت منحى جديدًا، وتضمنت مطالب لا يمكن للديوان الملكي ولا لأي جهة كانت تلبيتها وبالصورة التي تمت المطالبة بتنفيذها، وقد جرى ذلك بطريقة توحي ان هنالك اطرافاً من بين المتواجدين تحاول استثمار هذه الجريمة النكراء ومشاعر ذوي الضحايا لاحراج الديوان الملكي وجلالة الملك والذي لا يمكن بأي حال من الاحوال ان يصدر اوامره بتوقيع عقوبة القصاص بالقتل بحق الجناة دون اتخاذ الإجراءات القانونية طريقها الصحيح.
وقد قام بعض المواطنين المتجمعين بالاقتراب من بوابات الديوان الملكي في مشهد يوحي بعزمهم على اقتحامها، مما دفع حراس البوابات لاطلاق بعض العيارات النارية في الهواء للحيلولة دون ذلك. الا ان هذا المشهد قد اساء للديوان وللاردن ولابناء الطفيلة العروبيين والمشهود لهم بذلك، وخاصة من خلال ترديد بعض الهتافات العنصرية التي تشير الى اصول الجناة، وترديدهم الهتافات باسم احد المغدورين والذي تصادف ان اسمه على اسم سمو الامير الهاشمي حمزة والقول بالروح بالدم نفديك يا حمزة، الامر الذي جعل البعض يستغلون هذه الحادثة لتحميلها اكثر مما تحتمل، حيث القى بعضهم مسؤوليتها على الاجهزة الامنية والبعض على التعديلات الدستورية والتي لا ادري كيف تم اقحامها بمثل هذه الحادثة الا اذا كان ذلك من قبيل استثمار اللحظة لاخراج ما في مكنونات انفسهم. كما استثمرها بعض الحثالات الخارجية ليصوروا الامر وكانه امتداداً للفتنة التي كان قد تم وأدها منذ ايام معدودة، وان الهتافات هي لسمو الامير حمزة.
ثم تدخل العقلاء لاقناع المتواجدين بالمغادرة، والذين اشترطوا لذلك ان يتم تنفيذ مطالبهم بالقصاص من الجناة وذويهم خلال اثنان وسبعين ساعة، وعلى ذلك انتهى هذا التجمع بسلام.
بتاريخ 27 / 4 / 2021 وافق وجهاء الطفيلة وذوي الضحايا على اعطاء عطوة امنية لمدة اثنين وسبعين ساعة من لحظة حصول الحادث، شريطة التحرك السريع من الاجهزة الامنية والجهات القضائية لمحاسبة القتلة واعدامهم. واي تفسير منطقي لذلك يعني ان تعمل الاجهزة الامنية على التسريع بتحقيقاتها وتوقيف جميع المتورطين في الحادثة واحالتهم للجهة القانونية المعنية لمحاكمتهم، وايقاع اقصى العقوبات القانونية بحقهم. ولم تقصر هذه الأجهزة بذلك حيث بلغ عدد المقبوض عليهم على ذمة القضية اربعة عشرا مشتبهاً به، وبقي شخص واحد فقط مختفي عن الانظار.
ولكن وللاسف فأن معنى ذلك كان عند البعض ان يتم توقيع عقوبة الاعدام بحق الجناة خلال هذه الساعات الاثنتان والسبعين دون الاجراءات القانونية المعتمدة من حيث استكمال التحقيق وجمع الادلة وتكيف التهم واحالة القضية للمحكمة المختصة، وحق المتهمين القانوني بتوكيل محامين، او ان تقوم المحكمة بتوكيل محامين عنهم. وعقد جلساتها وسماع البينة واصدار احكامها، تم المدد القانونية للاستئناف والتمييز بحكم القانون، والى ان تكتسب الاحكام الدرجة القطعية. واذا كانت الاحكام تشمل عقوبات بالاعدام فلا بد من ان تصدر الارادة الملكية بالمصادقة عليها. وهذه الاجراءات القانونية والتي تأخذ بعض الوقت، هي حق قانوني لكل مواطن، والذي يمكن ان يكون اليوم هو الجاني وفي يوم آخر هو المجني عليه. كما انه ليست كل حوادث القتل عقوبتها الاعدام فهناك فرق ما بين القتل الذي يكون عن سابق تصميم وترصد وتخطيط (القتل العمد) او القتل من خلا عصابات الاشرار او الارهاب والتي عقوبتها الاعدام، وما بين القتل الذي يحصل خلال خلاف او شجار آني ومن غير تخطيط مسبق (القتل القصد والذي عقوبته السجن لمدة خمسة عشر سنة). وفي حال تعدد جرائم القتل يمكن جمع العقوبات، وتطبق على جميع الجناة اذا ثبت ان لهم دوراً في جريمة القتل. وهذه النصوص القانونية تراعي حق ذوي المجني عليهم وبنفس الوقت تضمن المحاكمة العادلة للجناة مع الاخذ بالاعتبار امكانية تبادل الادوار بين الطرفين في حالات اخرى. فمن هم مجني عليهم اليوم يمكن ان يكونوا هم جناة في الغد والعكس صحيح. ومما لاشك فيه ان جميع العشائر والعائلات الاردنية قد تعرضت لمثل هذه الظروف في يوم من الايام بما فيهم ذوي المجني عليهم في هذه الحادثة.
كما ان اعدام الجناة بالطريقة التي جرى طلبها في هذه الحالة لا يمكن تطبيقها حتى في حالة الجرم المشهود. وحتى في اكثر انظمة العالم تخلفاً وظلماً ودكتاتورية. والجميع يعرف ذلك، ومع ذلك فقد جرت مطالبة جلالة الملك بالموافقة على القصاص من القتلة واعدامهم ومن دون أجراء المحاكمة او اجراءها بغير الشروط القانونية.
الا انه وبتاريخ 30 / 4 / 2021 وعند انتهاء مهلة الاثنان والسبعين ساعة وهي مدة العطوة الامنية قامت مجموعات من الشباب من سكان حي الطفايلة بالذهاب بموكب من السيارات الى منطقة الجويدة والى حي الباير بالذات معلنين انتهاء العطوة الامنية دون تحقيق مطالبهم بالقصاص من الجناة وعشيرتهم. وقاموا بالتهجم على بعض الاملاك الخاصة لذوي الجناة وحرق بعضها كما تم حرق عدد من السيارات والاطارات والمواد البلاستيكية واضرام النيران في الاراضي الخلاء ومحيط مركز امن جبل التاج ورشقه بالحجارة كما تم رشق الحجارة على قوات الدرك التي هرعت الى المكان لاعادة الامن والنظام اليه وحماية ارواح المواطنين وممتلكاتهم. بلاضافة الى ترديد الهتافات والشعارات الاقليمية والعنصرية التي أربأ على ابناء الطفيلة بمختلف عشائرها ترديدها، مما يشير الى ان من قاموا بذلك هم مجموعة من الشباب الصغار في العمر والغاضبين لما حصل. وبحمد الله فقد تمكنت القوات الامنية من السيطرة على الوضع واعادة الهدوء الى الشارع دون حصول اصابات تذكر بالاضافة الى توقيف عدد من المشاركين بالاحداث.
ويبقى ان نقول على ان من واجب الوجهاء والشيوخ في الاردن سرعة التحرك وتهدئة النفوس. وان من المتوقع من عشائرنا في الطفيلة الهاشمية ان يلعبوا دورهم هم ايضاً لتهدئة النفوس وخاصة لدى شبابهم الغاضبين، والاحتكام للعقل ونصوص القانون. وان على الدولة في مختلف اجهزتها الامنية والقضائية ان تعمل على كشف ملابسات هذه الحادثة والتي اختلفت الروايات بسبب وقوعها وتفاصيلها. وسرعة استكمال التحقيقات والمحاكمات وصولاً الى ايقاع العقوبة القانونية بحق الجناة وتنفيذها. كما ان على الدولة العودة لتنفيذ عقوبة الاعدام في الجرائم التي عقوبتها ذلك لاعادة سطوة القانون ولاعادة ثقة المواطنين بأن حقوقهم لن تضيع مما يجعلهم يحاولون الحصول عليها بأيديهم. كما ان على الحكومة بعد ذلك ان لا تتهاون فيما يتم ارتكابه تحت عنوان فورة الدم من اعتداء على حياة اناس ابرياء وعلى ممتلكاتهم ومصادر دخلهم، او من يعتدي اثناء ذلك على الاموال العامة او المراكز الامنية واعضاء هذه الاجهزة وان تعاقب من يفعل ذلك، لا ان يعتبر ذلك ذنباً مغفوراً وقع في حالة غضب كما جرت العادة منذ العديد من السنوات وعلى يد العديد من الحكومات.
فأن دولة القانون التي نريدها هي التي تطبق احكامه على جميع مواطنيها دون تفرقة ولا تمييز ودون حاجة للتوجه للديوان ولجلالة الملك ليقوم هو بذلك او مطالبته بأن يقوم بما هو مخالف للقانون، والتي تحمي حياة واموال جميع المواطنين، والتي يختفي فيها الاخذ بالثأر او تطبيق القانون باليد او الاعتداء على الآخرين لمجرد وجود علاقة قربى بينهم وبين الجناة
وبتاريخ 3 / 5 / 2021 توجهت جاهة تمثل وجهاء من عشائر الاردن الكرام الى حي الطفيلة لطلب عطوة اعتراف على خلفية هذه الحادثة كما هي عادة عشائرنا الكريمة في تهدئة النفوس وتطيب الخواطر تمهيداً لاصلاح ذات البين. وقد اعلن المتحدث باسم سكان الحي ان ما ازعجهم هو اطلاق النار من قبل مجموعة من الاشخاص وبواسطة اسلحة اتوماتيكية وبدم بارد على الشابين الاعزلين، واعرب عن امله بمحاصرة الحادثة والوصول لالحاق اقسى العقوبات بحق مرتكبي هذا الفعل المشين، واعلن الموافقة على أعطاء عطوة اعتراف لحين اصدار الحكم. وكان هذ الجانب المشرق الذي يعبر عن لغة المنطق والعقل والاحتكام الى لغة القانون وان كنت اتمنى لو لم يتم اشتراط عدم توكيل محام للدفاع عن القتلة، وإجلاء المتهمين واسرهم من محافظة العاصمة والطفيلة، حيث ان الشرط الاول يتعارض مع القانون والذي يحتم على المحكمة ان تعين محامين للدفاع عن المتهمين اذا لم يتمكنوا من توكيل من يدافع عنهم. وان الشرط الثاني يخالف ما نسعى اليه في دولة القانون من الحد من الجلوة العشائرية وحصرها بالحد الادنى.
وحمى الله شعب الاردن بجميع عشائره وابنائه اخوة متحابين متكاتفين متكافلين. وحمى الاردن ونظام الحكم في الاردن وحمى جلالة الملك المعظم رمزاً لوحدة الاردنيين على اختلاف مشاربهم واصولهم.