لا أشك أن نشأة الإخوان في مصر عام ١٩٢٨ على يد الشيخ حسن البنا أنها كانت نشأة دعوية نابعة عن غيرة هذا الشاب الذي تربى في بيت والده الشيخ البنا الساعاتي. فلم تكن النشأة سياسية ولهذا كانت العاطفة وكانت الشعبية وكان التأثير والاندفاع والتضحية في مجتمع مصري طيب ، يرافق ذلك وجود احتلال انجليزي مهمين على قناة السويس . ولهذا كان اندفاع الإخوان نحو مقاومة المحتل ببسالة كما شهد بذلك معالي المرحوم كامل الشريف وزير الأوقاف الأردني الأسبق في كتابه " الإخوان وحرب فلسطين" الذي لم يكن من الاخوان لكنه كان متفاعلا" مع نشاطاتهم وجهادهم وشارك معهم مما جعله على قائمة المطلوبين لجمال عبد الناصر !! وقد قال لي الشريف يوم زرته في صحيفة الدستور : أبلغني جلالة الملك الحسين أن عبدالناصر يطالب بتسليمي له ، ولهذا والكلام للملك : انت بين خيارين كي أحميك: السجن أو الذهاب إلى نيجيريا سفيرا"!! فقال الشريف : طبعا" إلى نيجيريا وكان له ذلك ، وترك هناك بصمات مميزة.
كيف يقاتل الاخوانُ الإنجليزَ ثم يصدر تحريري كتابا" بعنوان " ماسونية حسن البنا " ؟! .
هذه الجماعة حوربت من البداية من جهات عدة : عهد فاروق المسؤول عن اغتيال حسن البنا بأمر من الإنجليز، وعهد عبدالناصر المسؤول عن وجبات الإعدام عامي 1954 و 1966وكان نجم المعدومين سيد قطب ، ولا تزال هذه الحرب عليهم إلى يومنا.
لقد أدمن الإخوانُ السجونَ ونشأت لها أدبيات مكتوبة و مصنفات معروفة . حتى أنك تستطيع إن شئت أن تقول إن هذه الجماعة مبتلاة من بداية وجودها !! والسبب تمددها وخطورتها على الأوضاع القائمة ومن ذلك موقفها في فلسطين عبر حركة حماس .
إن النشأة العاطفية الدعوية قد استمرت مع الجماعة إلى اليوم ولهذا استمر الخطاب العاطفي الذي لا يراعي السياسة المحلية والدولية ولهذا لا يمكن أن يسمح لهم بالسيطرة على أي بلد !! ولهم في التجربة المصرية والجزائرية والتونسية وغيرها شواهد على ذلك.
جماعة تنشأ قبل أكثر من تسعين سنة ثم لا يكون لها مكان إلا السجون والإعدامات بينما أحزاب أخرى مثل البعث حكم بلدين عربيين !! هذه المسألة واضحة من زاويتين :
الأولى / زاوية المؤامرة الدولية الحضارية التي لا تريد للاسلام أن يكون في سدة الحكم .
الثانية / زاوية الإخوان الذين لم يمتلكوا ناصية فن التغيير وفهم السياسة المحلية والدولية .
ولهذا فإن الطريق مسدود أمامهم بفعل أنفسهم وبفعل غيرهم .
إن الشتاء الإخواني طويل وليس ثمة إرهاصات تدل على انتهاء هذا الشتاء بل هناك مؤشرات على استمراره .
ولا حل إلا بأمرين :
١. مراجعة الأخوان لأنفسهم مراجعة علمية بعيدا" عن اللغة العاطفة والخطاب الدعوي الانفعالي( الذي رأيناه في الربيع العربي ) للخروج بأطروحة مفهومة المعالم والأهداف للقاصي والداني تنبع من العمل الوطني المحلي وسلسلة من المصالحات مع عدد من الموضوعات : الديمقراطية ، المرأة ، الآخر ، العلاقات الدولية ، الاقتصاد الإنتاجي وقد دونت ذلك في كتابي " مراجعات في الفكر الإسلامي " .
٢. توليد قناعة لدى المجتمع الدولي بأن الاخوان جاهزون للجلوس والتحاور والعمل مع المجتمع الدولي على قاعدة البناء والأعمار والمصالح المشتركة للشعوب . ولن يكون لهم هذا إلا بقيادة واعية كارزمية تتقن لعبة الأمم .
بغير ذلك فإن الشتاء سيستمر