facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




لماذا فشلت الاحزاب الاردنية؟


د. عادل يعقوب الشمايله
03-05-2021 01:14 PM

يتضمن عنوان هذا المقال بُعدينِ رئيسيين

الاول هو ثبوت حالة الفشل. أما الثاني فهو تحديدُ من يتحمل مسؤولية الفشل. هل للفشل أب واحد أم أباء.

فيما يتعلق بالبعد الاول، فإنني استطيع أن اؤكد ان هناك شبه اجماع على فشل الاحزاب. هذا الاجماع تحقق بالتواتر. وفي حال اراد البعض ان يشكك أو يناكف، فإن عليه إثبات الفرضية النقيض باستخدام أحدِ مناهج البحث العلمي بدراسة علمية مُحَكمةٍ. والى أن يتم ذلك ، فإنه يمكن الركون الى قاعدة "أنه بضدها تعرف وتميز الاشياء". فالصدق يُثبتُ الكذب، والاتقان يثبت الغِش، والنهار يثبت الليل، والصدأ يثبت أن النحاس ليس ذهباً. أي ان الاحزاب لا تملك إثباتا واحدا على عدم الفشل.

عنوانُ هذا المقال لا يقصدُ أن يُحَملَ الاحزابَ وحدها مسؤولية الفشل. كل حالة من الحالات التالي ذكرها تمثلُ سببا من اسباب الفشل. أي أنها تُشخصُ المرضَ وتُعَرِفُ بالعلاج. ما يتبقى هو مسؤولية المريض في تناول الدواء الموصوف، ومسؤولية ولي امره بأن ينصحه ويقنعه بتناول الدواء.

١-المراهقةُ السياسية. الفرق بين المراهقة والنضج هو كالفرق ما بين العنب والحصرم ، وما بين العجر والتين، وما بين الخبز والعجين.

يستعجلُ بعضُ الناس الفرص. لا يطيقون الانتظار طويلا. كما هو حال المراهق الذي يثقُ بنفسه وبقدراته ثقة عمياء، وأنه اصبح يعرف كل شئ ويمكنه فعل ما يشاء، ولم يعد بحاجة لا لعون الاخرين ولا لنصحهم. ولذلك يسارعُ المراهقون لصنع روافعهم. هذا ما فعلهُ ابنُ نوحٍ عندما رفضَ إستخدامَ سفينةِ والده كوسيلة للنجاة وقال "سآوي الى جبل يعصمني من الماء".

المراهقون السياسيون غالبا ما يضعون واجهات قديمة لتفتح لهم الطريق، كما فعل عبدالناصر وزملائه حين اختاروا محمد نجيب رئيسا مؤقتا لانقلابهم.

ترمزُ المراهقة السياسية من بين ما ترمز اليه، عدم معرفة أو عدم فهم البيئة السياسية. والتوهم بأن لكلمات اللغة معاني حقيقيةً ثابتةً وليس نسبيةً، وان ما يسمعونه لا يحتاج الى تأويل. ولهذا يصدقون الشعارات والتصريحات، ويصدقون النصوص القانونية. لذلك يفاجأ صناع الاحزاب الذين تنطبق عليه مواصفات المراهقة السياسية، عندما يتبين لهم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر، وأن الدنيا ليست قمرا وربيع كما وصفها شاعرٌ شاهد عشباً على مجرى سيل في صحراء الربع الخالي.

٢-الاحباط والتهميش: معظمُ الاحزابِ تضمُ نُخباً من المُحبَطين والمُهَمشين. اشخاصاً متعلمين، تقلدوا مواقع وظيفية عالية سابقا في القطاعين المدني والامني. هؤلاء الاشخاص انتظروا طويلا عند سماعة الهاتف، حتى كلّوا. المفارقةُ، أن الحكومة تظُنُ أنهم إذا كلوا سيملوا، ولكنهم لا يملوا. فاتجهوا الى الانضمام الى احزابٍ قائمة أو تشكيل احزاب جديدة لتحقيق غايةٍ من غايتين على الاقل. الاولى، تذكيرُ الحكومةِ بأنهم يتواجدون في مرمى الحجر. وفي نفس الوقت، ولأنهم مُهمين، فإن هناك من يطلبهم. بمعنى أنهم يملكون البدائل المزعجة مما يستدعي ضرورة الاسترضاء.

والثانية التعويض النفسي من خلال البروز اجتماعيا وإعلاميا في المناسبات والندوات الحزبية وتواصل الاحزاب مع وسائل الاعلام.

٣- الأُميةُ: معظمنا أُميٌ بالطبع. أنا أُميٌ في صياغة الذهب، وفي اللغات الالمانية والصينية. وأُميٌ في قيادة الطائرات وفي استخدام صواريخ كاتوشيا لحفر جور لزراعة الاشجار. هذه مجرد أمثلة على أوجه أُميتي المتعددة الكثيرة.

هناك حَمَلةُ شهادات في مختلف التخصصات العلمية التطبيقية كالهندسة والطب وفي العلوم كالفيزياء والفضاء، لكنهم أُميون في علوم الاقتصاد والاجتماع والسياسة وفي القانون وادارة مؤسسات الدولة ومنظماتها، وتنقُصُهم القدرة على قراءة التاريخ ونزع النفط المحروق عن صفحاته لتظهر لهم حقائقه. هؤلاء لم يتلقوا تعليما نظاميا في حقول المعرفة تلك. هناك ضباط كبار اطلعوا على جوانب من العلوم العسكرية وتدربوا وخبروا بعض المهام العسكرية، ولكن ادارة الدول اوسع بكثير من ادارة فرقة او مديرية شرطه. كما أن مطالعة الصحف ومشاهدة أخبار التلفزيون لا تعوض النقص العلمي ولا تصنع ساسة ورجال دولة. كيف يمكن لمن ذكرت على سبيل المثال، ان يشكلوا احزابا او يقودوا احزابا أو يصوغوا مواثيق احزاب ومبادئها ويحولوا المبادئ الى برامج قابلة للتطبيق. أو أن يفهموا برامج الاحزاب القائمة التي انضموا اليها اذا كان لها برامج. سرقة النصوص وإدعاء ملكيتها شئ، وتفسيرها وتفعيلها شئ مختلف. لم يتمكن فرعون الذي قال حسب النص القرآني " ما علمت لكم من اله غيري"و " أنا ربكم الاعلى" و "لا ارى لكم الا ما ارى"، لم يتمكن من تفسير ما كان يرى في منامه كما لم يستطع ذلك مستشاروه. فاستنجد بسجين ولكنه في التفسير مكين.

وهذا ما أشار اليه القرآن الكريم، في مسألة القضاء: "وفهمناها سليمان". اذاً الفهم الفهم. ومن يؤتى الحكمة فقد اوتي شيئا كثيرا. حرق المراحل، والفهلوه على طريقة الشاطر حسن اسلوبان مستخدمان للاسف في البيئة السياسية الاردنية، وفي مهنة الاحزاب.

٤-الالتزام الحزبي. فيما عدا اعضاء الاحزاب العتيقة الثلاث: البعث والشيوعية وجماعة الاخوان المسلمين لا يتخلقُ اعضاء الاحزاب الاخرى بِخُلُقِ الولاء، والالتزام بتعليمات ومصلحة الحزب ومواقفه من القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية وحتى الدينية والوطنية، وفي التصويت في الانتخابات بمختلف مجالاتها. الامر الذي يحولُ دون وصول مرشحي الاحزاب الى الهيئات المُنتخبةِ ووضع برامجها موضع التنفيذ والاختبار.

٥- الرفض الشعبي الحازم للاحزاب. الاحزاب هي مجرد شخصيات معنوية. مخلوقات قانونية. الحزب لا يأكل ولا يشرب ولا يقاتل ولا يفكر. ماذا نتوقع من وزارة الاشغال العامة اذا كانت مجرد قانون ومبنى؟ كم سنتمتر من الطرق يستطيع المبنى والجرافات والقلابات أن تُعبدَ لوحدها بدون وزير وموظفين متخصصين وادارات واسفلت ومخصصات في قانون الموازنة العامة؟

يردد الناس ببغائية، مقولة "شو عملت الاحزاب"؟ ويضيفون باستهزاء: أن عدد اعضاء الحزب الفلاني أقل من حمولة باص كوستر!! نعيبُ دهرنا والعيب فينا. ما الذي يستطيع الحزب ان يفعله لشعب من الجبناء والاتكاليين غير ما فعله موسى عندما قال له بنوا اسرائيل " اذهب انت وربك فقاتلا، إننا هنا قاعدون"؟

كيف يستطيع حزب ان يحصل على مقاعد في مجلس النواب او في مجالس اللامركزية او البلديات او النقابات، بدون أن يكون عدد اعضاءه بعشرات الالاف ومن الملتزمين؟ كيف يتمكن الحزب من تمويل حملات انتخابات طالما ان اعضائه على قلة عددهم، لا يدفعون اشتراكاتهم السنوية، ولا يتبرعون؟ ماذا يستطيع أي حزب ان يفعل اذا كان اصحابُ المصالح لا يتبرعون للاحزاب كما هو الحال في الدول الغربية الديموقراطية، لأن اصحاب المصالح في بلدنا مقتنعون أن الاحزاب مهمشة، ولا دور لها؟

٦- عدم جدية الحكومة بقبول أي دور للاحزاب غير أن تكون مجرد اشجار ورد في حديقتها، شريطة ان لا تكون لها رائحة زكية جاذبه.
عندما يقفُ شبح التهديد بعدم الحصول على وظيفة في الحكومة واحيانا في القطاع الخاص، على ابواب مقرات الاحزاب، كيف نتوقع من الشباب ان يرتادوا مقراتها او أن يحضروا ندواتها وحواراتها؟ كيف يمكن ان يتشكل لطلاب الجامعات وعيٌ سياسي حزبي اذا كان اساتذة الجامعات يُحاذرون من الخوض في الامور السياسية، لأن انظمة الجامعات محشوة بالمهددات لاستقرار وأمان عضو هيئة التدريس، ولأن ربع الطلاب يُستخدمونَ كمُخبرين يسترقون السمع لادارات الجامعات ولجهات خارجها؟ واذا كان تعيين عضو هيئة التدريس وترقيته في المراتب الاكاديمية وتثبيته يخضع للمعايير الامنية اكثر من خضوعه لمعايير الاداء والجودة والابداع. حتى الحصول على بعثة او مكرمة للدراسة في الجامعات ترضخ لشروط من بينها عدم التحزب.

من بقي لتستقطبه الاحزاب طالما انها محظورة فعليا على الموظفين والطلاب، والعسكريين والسياسيين وشيوخ العشائر، والباقين حجزتهم الاحزاب العقائدية في قاصاتها الفولاذية؟

٧-الخوف من حل الحزبِ او من تحويل اعضاءه الى المحاكم العسكرية.

في الدول الغربية، وكما هو معلوم، الحزب هو الحكومة التي تحكم، او حكومة الظل، أي الحكومة القادمة. في تلك الدول، احتمالية حل الحزب في الحياة الدنيا لا تتجاوز الصفر. كما ان احتمالية محاكمة وسجن عضو في الحزب، قيادي او عادي بسبب مواقفه او نشاطاته السياسية لا تتعدى احتمالية غرق سفينة نوح.

٨- استقر مبدأ عدم التنازل عن الكرسي وعدم تداول المناصب سلميا في الثقافة العربية الاسلامية منذ عهد الخليفة عثمان بن عفان بعد اعتماد الفقهاء المصدر الالهي للحكم والسلطة. ولذلك يتحول الامناء العامون للاحزاب الى ملوك مثلهم مثل الشيوخ ورؤساء الدول والحكومات والمجالس التشريعية والوزراء. ولهذا السبب تحدث خلافات بين اعضاء الاحزاب في مواسم الانتخابات على توزيع الغنائم المحتكرة، مما يؤدي الى انشقاقات وانسحابات يصبح بعدها الحزب المثخن بالانسحابات هزيلا اكثر، ومنفرا اكثر.

٩- المناطقية والعشائريه:

يعمدُ مؤسسو الاحزاب حتى يضمنوا بقائهم في المواقع القيادية في الحزب بشكل دائم، الى تسجيل افراد أُسَرِهم واصهارهم واصدقائهم، وافراداً من عشائرهم اعضاء في الحزب منذ مرحلة التأسيس. ويتم رفض قبول اعضاء جدد اذا كانوا يمثلون تهديدا لمواقع القيادة. أي أنه بدل أن تكون الاحزاب نماذج وموديلات للديموقراطية والأثرة وتداول السلطة، تتحول الى مُغالبةٍ، وبالتالي بِرَكِ مياهٍ آسنة تعيش فيها الضفادع المزعجة بنقيقها.

١٠- عباطة القناعات الدينية: ترفض معظم تيارات الاسلام السياسي كلمة الديموقراطية، وتناصبها العداء، وتعتبرها بدعة أجنبية لأن كلمة ديموقراطيه لم ترد في القرآن الكريم والاحاديث المنسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا في اقوال قدماء رجال الدين.

تطرح تلك التيارات مفهوم الشورى كنموذج بديل للديموقراطية. يرتبط مفهوم الشورى تاريخيا بوجود متفرد بالسلطة: زعيم، قائد، سلطان، إمام، ملك او خليفة، وصل الى كرسي الحكم إما بالوراثة او بالمغالبة. ويتطلب مفهوم الشورى من الزعيم أن يعين مستشارين له، يختارهم هو على الاغلب. كما يتيح مفهوم الشورى لبعض رجال الدين وشيوخ القبائل الاختلاء بالزعيم وتقديم النصح المؤدب السري له اذا شائوا المغامرة، وشاء هو الاستماع. وفي كل الاحوال فإن المشورة غير ملزمة للزعيم. واحيانا يقترحون مجلسا يُسمونهُ اهل الحل والعقد لتقديم الشورى يتشكل من ابرز شيوخ القبائل والقادة العسكريين وكبار الاغنياء. وقد عمل به الخلفاء كل على طريقته دون أن يسمونه بهذا الاسم.

النموذجين الذين يروج لهما تيار الاسلام السياسي لا يتقاطعان اطلاقا ولو بمليمتر واحد مع آليات الديموقراطية واهدافها وغاياتها ومسؤولياتها والنتائج والطموحات الشعبية المترتبة عليها. هذان النموذجانِ يسلمان بتفرد الزعيم لأنه يستمد سلطته من الله، وأن الشعب مجرد رعية وعوام. بينما تعتبر الديموقراطية الشعب هو السيد، وهو مصدر السلطات، وأن دور الزعيم والبيروقراطية مجرد خدمٍ مؤقتين.

إصرار تيارات الاسلام السياسي على نموذجهم الذي لم يَنزِلْ به نص من الله ولا من الرسول، وإنما من كتابات الفقهاء الذين اقتبسوا أنظمة الاستبداد لدى الامم الاخرى في زمانهم، ليرضوا الخلفاء ويحصلوا على حظوتهم وأعطيتهم. الترهيب من الاحزاب باسم الدين الا اذا كان الحزب يتقلد عنواناً وشعارات اسلامية ، يقلل من حماس الناس للانضمام للاحزاب خوفا من ان تُعد ارتكابا لمعصية.

إن قبول تيارات الاسلام السياسي في الاونة الاخيرة بالانتخابات وصناديق الاقتراع لا يعني انها ارتضت بالديموقراطية وتركت الشورى والاستبداد، ولكنه قبول تكتيكي ومرحلي يسهل حيازة كراسي الحكم عندما يتعذر حيازتها بوسائل أُخرى كالمغالبة مثلا. والانتخابات بالنسبة لها هو شارعٌ باتجاه واحد.

١١- احتكار الحكومة للتنفيع: الحكومة في الاردن مثلها مثل بقية الدول العربية والنامية تحتكر سلطة التصرف بالموارد العامة من اموال ووظائف وخدمات. ولأن الحكومة لا تطيقُ الاحزاب، فإنها تتيحُ للمواطنين التعامل معها مباشرة او من خلال وسطاء هي تعينهم كشيوخ العشائر من فئة الخمسه، او النواب من فئتي العشرين والخمسين، للحصول على المنافع منها.

١٢-سلبية وانتهازية مجالس الامة: اعاقت مجالس الامة في الاردن (مجلس النواب + مجلس اعيان) سن قانون انتخاب يؤدي الى الحكم الرشيد good governance. ولا زال معظم اعضاء هذه المجالس خاصة الذين حازوا عضويتها بوسائل غير مشروعة، ويدركون أنهم لن يعودوا اليها اذا اقتصر الوصول اليها على الطرق المشروعة النزيهة، على تعطيل تعديل قانون الانتخاب المعمول به او تعديله باتجاه الاسوأ. كما يصرون على قانون للاحزاب، ينتج احزابا دمى للحكومة او مواليد مصابةً بالتوحد.

١٣- غولية السلطة التنفيذية المرعوبة من تُهَمِ رتعها المُفرِطِ في الفساد : مفهوم تَغوَّلَ مُستمدٌ من الغول. والغولُ حيوان اسطوري او خيالي مثله مثل العنقاء والخلِ الوفي. تتسم صورة الغول في اذهان الناس بالبشاعة والخبث وعدم الشبع والقسوة المفرطة مقارنة ببقية قاطني فنادق الغابة. الغول لا يشارك ولا يعف، بعكس الاسد، الذي يترك الفريسة بعد أن يأكل منها حاجته، ولا يعود اليها، تاركا بقيتها لبقية مواطنيه.

المعنى هنا، أن الحكومات في دول العالم الثالث لا تقبلُ بالتنازل عن شيئ من سلطاتها المُطلقةِ، ولا تقبل بأي جهة ان تشاركها، أو تراقبها وتساءلها وتحاسبها . هذا النموذج من الحكومات لن يعطي الفرصة لاحزاب حقيقية.

١٤- الاصرار على النهج: تم اختيار نهج للحكم ونهج لاختيار من يتولى مؤسسات الحكم منذ بدء تشكل الكيان السياسي الاردني. هذا النهج لا زال متبعا لحد الان. تؤكد عدة مؤلفات لباحثين ومؤرخين أجانب من المهتمين بالشأن الاردني تحديدا، وبالمنطقة العربية عموما، أن سلطة الانتداب البريطاني قد نصحت باتباع النهج الديموقراطي في ادارة الكيان السياسي الجديد عندما أسست الامارة . ولذلك لا نستطيع أن ننسب بدايات النهج غير الديموقراطي المطبق حاليا لسلطة الانتداب البريطاني، وإن كان يمكن لومها بشدة على قبولها بدستور ١٩٥٢ البعيد عن الديموقراطية قبل ان تطرأ عليه التعديلات. دستور ١٩٥٢ هو الراعي للنهج المغضوب عليه شعبيا، وهو الذي سمح ويسمح بتعديله واقرار التعديلات من قبل مجلس الامة الذي ظل مطعونا بنزاهة انتخاب غرفته الاولى، وبعدم تمثيله لارادة الشعب الاردني. كما أنه قيد المشاركة الشعبية في رسم السياسات العامة والمساءلة والمحاسبة، وهو من يعطل الخروج عن هذا النهج.

احد أهم مشاكل الدستور الاردني لعام ١٩٥٢ أنه أخضع تفسير وتطبيق نصوصه للقوانين التي تصدرها السلطة التشريعية غير المنتخبة. تلك السلطة هي من قيد منظومة الحقوق والحريات وركائز الديموقراطية ومن بينها الاحزاب مما افرغ نصوص الدستور من أي قيمة واثر عملي. كما أن الدستور لم يبين مهام السلطة التشريعية حسب د. نوفان العجارمه.

١٥-معضلة الاصول والمنابت. نادرا ما توجد دولة مكنت للقادمين اليها، مهاجرين او مُهجرين من استلام المناصب القيادية والحساسة والسيادية كما حدث ويحدث في الحالة الاردنية. الامثلة كثيرة على أفراد "وأُسر" حصلوا على الجنسية الاردنية بلمح البصر، ثم قفزوا بالمظلات على مناصب ضُنَّ بها على أبناء الوطن المقتدرين اكثر والمؤهلين اكثر.

بالمقابل، مكنت الديموقراطية الغربية مهاجرين كباراك حسين اوباما الكيني الاسود الذي ولد مسلما، ان يصبح رئيسا لاكبر دولة بيضاء مسيحية في العالم. و كاميليا السمراء، لمنصب نائب رئيس امريكا، و الصومالية الهام عمر لتكون عضوا في مجلس النواب الامريكي. الديموقراطية الغربية ايضا أتاحت لمئات السود والمهاجرين تولي مناصب مختلفة في امريكا وفي اوروبا الغربية حيث تمكن تونسيون وجزائريون ومغاربة وافارقة من تقلد اعلى المناصب فيها.

الفرق، بين حالتنا وحالتهم، أن تمكين المهاجرين في الدول الديمقراطية كان يتم من خلال اليات الديموقراطية. اولا بالحصول على الجنسية بعد مضي السنوات والشروط المحددة في القانون، ومن ثم الاندماج في المجتمعات المحلية تعاملا وفهما وتعارفا وخدمة وثقافة، والانضمام للاحزاب والترشح والتصويت عليهم من الشعب بعد أن عرفهم واقتنع بهم. أما عندنا، فالمهاجرون يُجَنسون ليُعينوا دون فترة حمل.

ما عنيت ايضا بمعضلة الاصول والمنابت، أن غالبية المهاجرين لم تقتنع بالجنسية الاردنية، ولا ترضى بالاندماج لاسباب تاريخية وسياسية مفهومة، ولا زالت تشعر بالخوف والغربة وعدم الثقة بالآخر رغم الترحاب والقبول الرسمي والشعبي لها، أي لاسباب غير مشروعة. ولذلك يعزفون عن الانخراط في العمل السياسي وخاصة الاحزاب الاردنية لأن بعضهم مرتبط بتنظيمات الاوطان الأم، أو يتلقى توجيهات من سلطات الاوطان الأم. ونظرا لأن المهاجرين يشكلون نسبة مؤثرة من عدد المواطنين، فإن ابتعادهم عن الاحزاب الاردنية يُساهم مساهمة بالغة في ضعفها وقلة عدد منتسبيها، ويكرس جهويتها وعشائريتها.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :