قبل ما يزيد عن الأربعين عاما قرأنا في الجامعة مثالا فلسفيا حول نسبية الحقيقة والنظرة الجزئية للأشياء، كان المثال يدور حول فيل موجود في صندوق كبير، وثمة ثقوب في الصندوق، حيث يطلب من أشخاص لم يروا الفيل قط في حياتهم، أن ينظر كل واحد منهم من خلال أحد الثقوب، ويصف الفيل.
لا أذكر المثال بالضبط، لكن الذي نظر الى الثقب المواجه لذيل الفيل، قال-مثلا-بأن الفيل هو شيء يشبه السوط، وفي نهايته ذؤابة من الشعر.
الرجل الذي نظر الى الفيل من الثقب المقابل للخرطوم، قال عن الفيل، بأنه شيء أسطواني عملاق يتلوى الى الأعلى والأسفل، كما وصفه من رأى قدم الفيل بطريقة مختلفة تماما عمن رأى كرشه، فصارت الحقيقة الواحدة عدة حقائق، حسب موقع الراصد من الحدث.
بطريقة أو بأخرى، ذكرني هذا الفيل في الكرتونة بمجالس نواب – ربما يكون مجلس النواب السويسري-، حيث تستطيع أن تجد فيه ما تريد حسبما تريد، وحسب موقعك .
إذا كنت نغشا-مثل حكايتي-ستجد الكثير من الفكاهات والنقاشات، لا بل هو قمة في الكوميديا والسخرية، لدرجة أننا نفكر – نحن الساخرين-بالتقاعد واعتبار مجلس النواب السويسري بمثابة إصابة عمل جماعية لنا جميعا.
أما إذا كنت نحويا نكدا، فتجد في المجلس أداة للتآمر على اللغة وآدابها وعلومها مجتمعة، إذ لن تصدق أن الكثير من النواب لا يفرقون بين حروف الجر في اللغة السويسرية وبين حزوز البطيخ، وستعتقد أن هناك مؤامرة ما تحاك على مرمى الكاميرا.
وإذا كنت تعاني من الأرق، فستجد أن سماع كلمات الكثير من النواب – السويسريين-هو أفضل وأروع منوم شبه مجاني وبدون وصفة طبية، ودون أن تتعرض لك شرطة مكافحة المخدرات.
إذا كنت سياسيا ستجد نموذجا للسياسة العشوائية.
وإذا كنت اقتصاديا فسوف يعيدونك الى صفوف الحساب الابتدائية.
وإذا كنت مفكرا. فلن تجد شيئا.
أما اذا فتحوا الكرتونة لتراه بدون ثقوب فلن تجد أمامك سوى مجلس الليوجيرقا.
الدستور