facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




بلـــــدي .. بقلم الراحل: الدكتور عبد الرحمن بارود


17-05-2010 05:21 AM

المرجح أن الدكتور "عبد الرحمن بارود" كتب هذه القطعة عام 1995 والله أعلم؛ وقد رحل عن دنيانا الفانية قبل أن يكحل عينيه برؤية مسقط رأسه ومهوى فؤاده (بيت دراس) التي كان على استعداد لأن يجند نفسه وحياته في سبيل تحريرها والعودة إليها وأخواتها؛ نرجو الله أن يتحقق ذلك لإخوانه وذريته وأن ينقلوا جثمانه ليوارى في ثرى البلاد الحبيبة فلسطين. مؤسسة فلسطين للثقافة..


بيت دراس بلدي ومسقط رأسي، قرية فلسطينية صغيرة تعدادها 4 آلاف نسمة تقريباً، تقع شرقي قرية أسْدود بحوالي 1.5 كم، وتقع قرية السوافير شرقها بحوالي كيلو متر واحد.. وهي قرية زراعية أهم حاصلاتها القمح والشعير والسمسم والذرة والعدس، تحيط بها البساتين النضرة التي تحتوي على العنب والتين والمشمش والجميز، ومساحتها حوالي 15 ألف دونم بما في ذلك أراضيها، مناخها ممتاز إذ إنها تقع في شمال القطاع الجنوبي من فلسطين.
تقع على عدة هضاب متقاربة، بالنسبة لتاريخ إنشائها فهي تبلغ من العمر 350 سنة على وجه التقريب، ويقسم سكانها إلى أربعة أقسام بينة لكل قسم مختار.
التعليم فيها ابتدائي في مدرستين، الأولى غرفة واسعة مستطيلة فيها الصف الأول والثاني الابتدائيين مبنية من الحجر الأبيض وهي قائمة بذاتها، وجميع أهل القرية يعلّمون فيها أبناءهم، أي أنه لا يوجد هناك كتاتيب.
وأما الثانية فكانت إلى عهد قريب (قبل أول سنة 48) في أحد مسجدي القرية الصغيرين، حيث كانت المقاعد تحتل أكثر من النصف فإذا جاءت نهاية يوم الخميس رُكِّبت المقاعد على بعضها حتى يتسع المسجد للمصلين يوم الجمعة، كذلك كان يقوم طلاب هذه المدرسة بحراسة المسجد من بعد الدروس إلى المغرب وكان لكل يوم طالبان، كان مجموع الطلاب من الصف الأول إلى الرابع -وهذا الأخير هو أعلى صف- حوالي 190 طالباً، وكان أهل القرية يقولون عن الذي أنهى الصف الرابع أنه قد "خَتَمْ" أي أنهى كل مراحل التعليم، وكان الطلاب يقومون بتمثيل الروايات أو إقامة احتفال "فخم" في نهاية السنة، يلقي فيه كل طالب قطعة أو قطعاً من الشعر يخصصها له المدرسون، وأستغفر الله إذ إنني أقصد أن أقول: المدرِّسان، وهما يسكنان القرية بعيالهما.
الأول عالم أزهري من قرية فلسطينية، سكن قريتنا حوالي اثني عشر عاماً، وكان أستاذاً "للمعهد العالي" أي الصفين الثالث والرابع يعلمهما جميع الدروس وحده، ومن هذا يفهم أنه لم يكن هناك لغة إنجليزية مقررة.
ومن الذكريات العزيزة عن هذا الأستاذ، أنه كانت له عصا من الخيزران، عاشت معه حوالي ثلاث سنين، فقد كان حريصاً جداً عليها فيضعها بعد الدروس في الخزانة ويغلق عليها بالقفل، والحق يقال إنها أدت واجبها بإخلاص، وهذا الشيخ يسمى الشيخ عبد النبي، وهو الآن يسكن أحد المعسكرات الثلاثة (البريج، النصيرات، المغازي) على ما أظن.
وأما الأستاذ الآخر فهو من أبناء قرية "بيت لاهيا" وهو يقيم الآن بها واسمه الأستاذ زكي الدحنون، وعلى الرغم من افتراقنا أكثر من خمس سنين ونصف، إلا أنه قد عرفني عندما رأيته فسلمت عليه وصافحته، ولكن بعد مدة من التفكير.
وهذا الأستاذ كان يعلم الصفين الأول والثاني، وكان عنده أكثر من عصاتين طويلتين تتولى إحداهما العمل إن تعبت سابقتها وإحقاقاً للحق أقول: إن هذين الأستاذين كان لهما الفضل بعد الله في رفع مستوى التعليم في القرية، إذ كان التعليم قبلهما في درجة من التأخر عظيمة، ولا يزال أخي الأكبر يذكر كيف كان الأستاذ يجلد بل يطرد الطالب من الفصل إذا كان لم يحضر البيضة والرغيف في الميعاد، وكيف كان يتفنن في تعذيب أبناء القرية المساكين.
وكيف أن الطالب كان إذا شكا أمر أستاذه إلى أهله قالوا له "إخرس أنت المجحّش ولولا ذلك لما جلدك سيّدك".. هذا حال التعليم في قرية بيت دراس قبل سنة 47 ولكن بعد هذا التاريخ بنت وزارة المعارف مدرسة جديدة جميلة مكونة من سبع غرف في مكان صحي غربي القرية إلى جهة أسدود، ولكن كبدت القرية ما يزيد على ثمانية آلاف جنيه، فارتقت الصفوف حتى صارت الآن -بعد البناء- ستة بعد أربعة، كذلك جاءنا معلمون جدد على الطراز الحديث، وكذلك أصبح الطلاب لأول مرة في التاريخ يلفظون الحروف الإنجليزية ويقرأون "إنجليزي" الأساتذة الجدد أربعة لم يحصل أحدهم على شهادة.
التعليم العالي (المترك) وهم: ثلاثة من قرية أسدود والرابع من المجدل وأصبح الطلاب يرون لأول مرة كرة القدم في مدرستهم وشيئاً يسمى المختبر للعلوم.
هذا من ناحية التعليم وأما من ناحية الصحة، فإن القرية على العموم نظيفة يهتم أهلها بها، وأما الحكومة فقد جعلت في أسدود عيادة يأتي إليها أهل أسدود وبيت دراس والبطاني وحتى من قرية برقد، وكان في المستعمرة القريبة من بيت دراس طبيب أظن أنه إنجليزي، كان يذهب إليه كثيرون من القرى المجاورة مثل السوافير والبطاني وبيت دراس، وكان يأتي كل سنة طبيب ينصب خيامه بالقرب من العرين ويذهب إليه مرضى العيون وغيرهم ما عدا الذين يحتاجون الجراحة، ولكن انقطع وصارت الحكومة ترسل بعض رجال الصحة في حالات الأوبئة للتطعيم.
وأما الحال السياسية، كان لكل قسم من الأقسام الأربعة مختار يمثلهم أمام الحكومة، وكان والحق يقال في أغلب الأحيان جائراً ظالماً، كأنّ الختم الذي يحمله هو خاتم سيدنا سليمان صلوات الله عليه، فهو السيد المطاع الذي لا يدانيه إلا القليل.
شباب القرية جاهل ساذج يمضي حياته في فلاحة الأرض، وقليل منهم من يشتغل بالتجارة مثل التجارة بالأبقار والمواشي عامة والحبوب ولا يوجد صناعات مهمة بالقرية، وكان هناك حوالي سبع حوانيت (الدكاكين) والنجارون حوالي ثلاثة، ومياه الشرب تملأ بالجرار على ظهور الحمير أو على رؤوس النساء.
أما البيارات فأصبحت كثيرة في المدة الأخيرة وتسقى بالماتورات.
التعصب "للحمولة" شديد ولذلك كانت تكثر المشاحنات التي كانت كثيراً ما تتطور إلى صدام "مسلح" قوامه الهراوات أي النبابيت، ولا يوجد بوليس في القرية ولا تليفون، ولكن كانت هناك نقطة للبوليس قرب المستعمرة مخصصة لبيت دراس والبطاني والسوافير وربما الأسدود أيضاً.
ولكن أهل القرية وبصفة عامة كرماء جداً لدرجة تبلغ الإسراف في كثير من الأحيان، وهم سُذج طيبو القلوب، ومن الآثار الظاهرة القديمة بعض حجارة الرخام في موضع يقال له "النبي صالح"، وآخر يسمى النبي إدريس وربما سميت البلدة باسمه، وهذان الموضعان مقدسان وهناك أماكن أخرى مقدسة تسمى بأسماء أولياء، وكان في كرمنا مغارة تحت الأرض وجدها أبي من مدة طويلة يوم أن كانت الأرض المزروعة كرماً، الآن أصبحت تلالاً يكثر فيها الشوك ولا يستغلها أحد، ووجد في المغارة التي لها باب صغير على وجه الأرض يوصل إلى الأسفل بحوالي ثلاث درجات كبيرة هياكل آدمية وجرار كبيرة فيها مادة صفراء ناعمة لم يعرفها أحد، حسبها الذين كانوا موجودين طحيناً معفناً فكسروا الجرار وبعثروا الذي فيها، ومما يلفت النظر أنها –المغارة- كانت مفروشة بالرمل الناعم النظيف ووجد فيها خرز وبعض أنواع العملة مكتوب على أحدها "بحالاً"، وعلى أحد وجهيها رجل وقد طمرنا المغارة بعد أن أخرجنا حجارتها وزرعنا فيها شجرة جميز.
كما أن هناك تلة كبيرة كثيرة الفخار الأحمر تسمى بردغة، يؤكد أهل القرية أنها كانت بلدة قبل أن تنشأ ببيت دراس، هذا ويوجد في القرية آبار كثيرة بعضها مطمور والآخر عُمّر.
في سنة 48 كنت في الصف الخامس وبدأت المعارك الحامية في فلسطين ولم تتمهل كثيراً، إذ ضرب اليهود القرية بمدافعهم وكانوا قبل ذلك يخافون أهلها خوفاً شديداً يرجع إلى سنة 36 يوم أن أحرق أهل القرية بمساعدة الثوار وأهل القرى المجاورة المستعمرة.
وتعددت اعتداءاتهم إلى أن شنوا هجوماً عنيفاً بمدافع المورتر والمدافع الرشاشة بقوات هائلة تزيد على خمسة آلاف جندي، وقد خف المناضلون لصدهم وتدفقت النجدات من القرى المجاورة فهزم اليهود هزيمة منكرة بينما لم يفقد العرب إلا القليل جداً، لكن اليهود كانوا قد جعلوا المدرسة الجديدة مركزاًَ لهم فبعثروا الكتب وأهانوا المصحف وعاثوا فساداً كبيرا.
مرة أخرى أعاد اليهود هجومهم بثلاث مصفحات دخلت القرية فرحل أهل القرية إلى القرى المجاورة مثل حمان وأسدود وانتظروا حتى جاء الجيش المصري فأملوا كثيراً أن يرجعوا، ولكن الجيش لم يعمل شيئاً وباقي القصة معروفة للجميع.
أما شعوري الآن فهو شعور المسلم الذي عرف بعض إسلامه الذي يقول "حب الوطن من الإيمان"، فهو يحن كثيراً إليها إلى مسقط رأسه ومهوى فؤاده، فهو مستعد جداً لأن يجند نفسه وحياته في سبيل تحريرها والعودة إليها وأخواتها.
المدرسة هي وطن مصغر.. المدرسة هي صورة مصغرة للوطن، فيها تتجلى مزايا كثيرة وتتولد في نفسي مشاعر حساسة كتلك التي تجيش في صدري عند الحديث عن الوطن، ولا عجب إذ إن المدرسة هي أقدس بيئة يربى فيها الطالب بتربية صالحة، وهي التي تزوده بالأسلحة الكفيلة بحمايته إذا ما خرج إلى معترك الحياة الواقعية.
كما أن الوطن في أغلب الأحيان تكون له حكومة وشعب ورئيس حكومة، فكذلك المدرسة، فالمدير هو بمثابة رئيس للدولة وهو القائم على أمورها والذي يمثلها.
وكذلك المدرسون الذين يقومون بالتنفيذ الفعلي للبرامج التي يقرها مجلس الوزراء فهم بمثابة الوزراء، وأما الدروس فهي بمثابة المشاريع التي ووفق على تنفيذها وكذلك وزير الحربية الذي يقابله في المدرسة أستاذ التربية البدنية، وهكذا تجد أن المدرسة حكومة وشعب والشعب هو مجموع الطلبة الذين يكتبون الدروس، من هذا التقسيم نرى أن المدرسة منظمة تنظيماً دقيقاً حيث إن كل فرد فيها يشعر بمكانته فيها، وهو يعلم أيضاً ما عليه من واجبات يجب أن يؤديها بإخلاص وتفانٍ، وما له من حقوق مقدسة يجب أن لا تمسّ بسوء، فهو مصان الحرية محترم الشخصية منبسط الأسارير، ولكن هناك بعض الأشرار الذين يفسدون المجتمع ويقودونه إلى مهاوي الردى ولا شك أن أي مجتمع لا يخلو من هؤلاء كذلك يقابلهم في المدرسة بعض الطلبة النزقين المستهترين، فإن كانت الحكومة حازمة قلّ هؤلاء من المجتمع وتلاشوا تدريجياً أما إذا كانت هي حكومة فاشلة فلا شك أن المجتمع سيهوي، والمدرسة كذلك إن كانت إدارتها حازمة اختفى هذا النوع من الأشرار وإذا ضعفت الإدارة ضعف الجسد كله.
إننا بصفتنا طلبة يجب أن نساعد إدارة المدرسة على أداء وظيفتها، بأن ننبذ كل مستهتر مائع نبذاً لا هوادة فيه إذا لم يرتدع بعد النصح، كذلك يجب أن نحب هذه المدرسة حباً لا يقل عن حب الوطن لأنها هي التي ستخرجنا إن شاء الله رجالاً للوطن أشداء لا يرهبون في الله لومة لائم يقولون دائماً:
كل يزول وينقضي أما الحمى فوديعة الآباء للأبناء

عن السبيل.





  • 1 سالم 17-05-2010 | 12:01 PM

    رحم الله د. بارود لقد كان اخا فاضلا واديبا بارعا وليعوض الله الامه بعده خيرا

  • 2 17-05-2010 | 08:20 PM

    رحمة الله عليه


تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :