الجديد في تقرير هيومن رايتس واتش حول أوضاع حقوق الإنسان في إسرائيل، أنه يعقد مقارنة علمية، ويسقط مؤشرات القانون الدولي لتصنيف الدول في أنها دول فصل عنصري، على الحالة الإسرائيلية، ليخلص التقرير إلى أن إسرائيل تجاوزت هذه المعايير، لذلك فهي قانونيا وموضوعيا دولة فصل عنصري، تماما على غرار النظام الجنوب افريقي المنقرض، الذي قاطعه العالم بأسره الى أن تلاشى. إسرائيل تجاوزت المعايير التالية الأساسية لحقوق الإنسان بشأن الشعب الفلسطيني: السماح ودعم هيمنة مجموعة عرقية على أخرى، وهذا تماما ما يفعله الإسرائيليون مع الفلسطينيين، والاضطهاد الممنهج لفئة من الناس وهم الفلسطينيون تحت الاحتلال، والقيام بأفعال لا إنسانية بحق جزء من السكان وعدم وجود النية لإنهاء الاحتلال لهم. دول عديدة، ومجموعات سياسية متنوعة فلسطينية وعربية وإسلامية، سبق وأن قالت بطبيعة إسرائيل العنصرية، لكن هذه هي المرة الأولى التي يصدر بهذا الشكل المقارن والقانوني، ومن هذه الجهة، ما سيكون له وقع مختلف على الصعيدين السياسي والحقوقي.
إسرائيل عادة لا تأبه لهذه التقارير، مستندة لأن المنظمات التي تصدرها مفرطة في يساريتها وتعادي إسرائيل، لكن هذا التقرير يأتي متزامنا مع ارتفاع الاهتمام العالمي نسبيا بشأن حقوق الإنسان، وفيه من قوة المنطق ما يجعله مقنعا ومؤثرا الى حد كبير. حتى من ينتقدون هيومن رايتس واتش لأي سبب كان لا بد وأن يستوقفهم هكذا تقرير لاحترافيته العالية. تعلم إسرائيل أنها تعتاش وتسوق نفسها على أنها دولة ديمقراطية تتبنى القيم السياسية والحقوقية الغربية، فيأتي هذا التقرير ليفند ذلك ويحرج إسرائيل كثيرا، ويجعلها أمام مواجهة حقيقة واقع تحاول التملص من رؤيته.
نحن في الأردن أكثر دولة على الإطلاق، حذرت من الوصول لاإراديا لنظام الفصل العنصري إذا لم يعط الفلسطينيون دولتهم، وإن بديل حل الدولتين البديهي سيكون إما دولة بقوميتين تتقدم إحداها على الأخرى، أي دولة فصل عنصري تماما كما كانت جنوب افريقيا، أو البديل الثاني في دولة واحدة كاملة المساواة بالهوية والمواطنة بين عرقين، وفي هذه الحالة تصبح الغلبة العددية للفلسطينيين وتتلاشى إسرائيل. لهذا، فإن المنطق الأردني كان يصرّ دوما على ضرورة وأهمية وأحقية حل الدولتين، لأنه ليس فقط مصلحة فلسطينية وهدفا للمشروع الوطني الفلسطيني، وهو أيضا مصلحة أردنية لارتباط المصالح السيادية الأردنية بقيام حل الدولتين، بل لأنه أيضا مصلحة إسرائيلية لأن غيابه يعني إما تلاشي إسرائيل بحكم الديموغرافيا، أو أنها ستصبح دولة فصل عنصري. حاجة إسرائيل الوجودية لحل الدولتين، جعلت جزءا من اليمين الإسرائيلي يدعم هذا الحل في مراحل، كما فعل شارون بالانسحاب الأحادي من غزة، وإعلانه النية لفعل الشيء نفسه في الضفة، ليس حبا بالفلسطينيين، بل إعلاء لمصلحة بلاده. نتنياهو بالمقابل لا يأبه بذلك، فهاجسه ودوافعه تنحصر في حصد الأصوات وكسب الانتخابات، لذلك تراه يميل بالسياسة الإسرائيلية نحو الشعبوية فقط، التي لا تحقق بالضرورة المصلحة العامة، وابتعاد نتنياهو وحربه على حل الدولتين ما هو إلا تمثيل حي للشعبوية التي ستقضي على حل الدولتين، وإسرائيل متضرر أساسي من ذلك.
(الغد)