عن الحاجة للعرائض والبيانات
17-05-2010 12:23 AM
شخصيات بارزة ومرموقة في الغالب توقع البيانات والعرائض التي لا نعرف حتى الآن مصدرها الرئيسي وكيف تبدأ لتصبح لغة مكتوبة على ورق ,هل تبدأ على شكل فكرة في رأس احدهم ثم تنتقل الى بقية الموقعين .. ام انها بالاساس محصلة فكر جمعي ونتيجة مخاوف عامة تنجم عن شعور وطني شامل بالقلق ازاء قضية ما او ربما جملة قضايا حاضرة تفرض التدخل لايصال رسالة عاجلة الى مركز القرار ولفت انتباه المسؤولين في الموقع الى ما يعتقد انها حالة طارئة او ضرورة ملحة يجب معالجتها .
ومهما كانت اسباب استصدار البيانات خارج اطار الاحزاب ومنظمات المجتمع المدني الأخرى, فانها في كل الاحوال تعبر عن حالة ثم عن حاجة الى اي اطار بديل وفعال ومؤثر لنقل المخاوف الى السلطة المسؤولة .
وفي ظل غياب الاحزاب الحقيقية فأن ظهور العرائض والبيانات يعكس الحاجة الى اطر دستورية تكون الملاذ الأول عندما تلتقي قناعات النخب الوطنية وتجتمع حول قضايا ملحة تقتضي الوفاق العام حولها من اجل حماية الثوابت وسيادة وأمن الوطن ,وسواءا اتفقت الأغلبية الصامتة مع الموقعين فيما يذهبون اليه في عرائضهم وبياناتهم ام اختلفت معهم – ونحن هنا لا نتحدث عن بيان بعينه ولا عريضة معينة – فأن من الحكمة ايلاء كل سطر فيها الأهمية الكافية لقراءة وفهم السطور وما بينها وعدم تجاهل حقيقة ان كل كلمة في هذه الحالة تدرس وتصاغ بعناية فائقة نظرا لحساسية المسؤولين تجاه لغة العرائض والبيانات بشكل عام ,ونظرا للمناخ السائد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا الذي افرز جملة الافكار المتفق عليها ,ثم ان على الجهات المعنية بالنظر في هذه البيانات والعرائض ان تلاحظ درجة الاحترام الذي يحظى به اعمدة البيانات والقائمين عليها وجلهم من كبار الشخصيات الوطنية التي اسهمت في بناء هذا الوطن وامنه وسيادته ,ثم الاهداف التي انطلقوا منها وعلى رأسها مساعدة الحكم ولفت نظر المسؤولين الى مواقع الخلل وربما جهة الخطر ,والشيء المؤكد والمثبت بحكم التجارب ان ما يراه الناس غير الذي تراه الحكومات والمسؤولين على اختلاف مستوياتهم ,فالعامة هي الاقرب الى الواقع والاكثر استشعارا بالخطر حتى لو لم تكن الاقدر على وزن المخاوف ووضعها في مكانها على سلم الاولويات , وما نشهده هذه الايام في الاردن من بيانات وعرائض لا يبتعد عن هذا الموقع من نبض المجتمع وهمومه ومخاوفه .
ويقترب كثيرا – وهذا هو الاهم – من المخاوف التي تدرس بعناية في مواقع صنع القرار ,فاذا كان بيان الشخصيات السياسية والمثقفين الاخير قد ذكر بمحاذير وخطورة ( الانجراف وراء الطروحات الإقليمية القاصرة، والوقوع في حبائل المؤامرةالصهيونية التي تستهدف الأردن مثلما استهدفت فلسطين), فأن الملك عبد الله كان قد حذر ولا يزال يحذر من مغبة مثل هذه الطروحات ووضع بين يدي شعبه وثيقة تاريخية نشرت في عشرات المقابلات الصحفية والتصريحات والخطابات لا تؤكد فقط على رفضنا المطلق غير القابل للنقاش لجميع المشاريع التي تهدف الى حل القضية الفلسطينية على حساب الاردن وخاصة مشروع الوطن البديل وحسب ,وانما تؤكد ايضا على استعدادنا التام لمواجهة هذه المشاريع والتصدي لها مهما كلف الامر ,ولا يقتصر الموقف الاردني الرسمي على رفض كافة المشاريع التي تهدف الى تصفية القضية الفلسطينية وحسب ولكنه ايضا يأخذ بعين الاعتبار تداعيات القضية الفلسطينية على الوضع الداخلي ,فالوحدة الوطنية من الثوابت وغير مسموح المساس بها .
والهوية الاردنية لا يمكن ان توضع في مواجهة مع الهوية الفلسطينية لكنهما تجتمعان لاسقاط المؤامرة الصهيونية ضد الاردن وضد فلسطين ,هذا هو محور الاجماع الذي يجب ان يبقى صامدا في كل الاحوال لانه الضمانة بعدم انقسام المصالح والغايات وتجزئتها ليصبح لكل هوية مصالحها الخاصة داخل الوطن الواحد ,فالاساس التوحد الكلي بوجه المؤامرة ,وكثيرة هي الادبيات التي تحذر من محاولات العبث بهذه الثوابت والاستجابة لمخططات العدو المشترك اسرائيل وانصاره اينما وجدوا .
البيانات والعرائض اذن ليست معارضة بالضرورة ولا تنم عن اختلاف في المواقف مع الحكم ,ولكنها زيادة في التاكيد والتذكير وتصدر عن اطياف مختلفة التوجهات لا يجمعها غير مضمون البيان وربما لا يحظى المضمون باجماع مطلق غير ان الشعور بالحاجة الى ايصال الرسالة يوحد حتى المتناقضين وهذا بحد ذاته تأكيد على اهمية ما قيل ويقال وينقل الصورة كما هي من قلب المجتمع الاردني .