فرسان البر وأمراء البحار: غرق «قدرة التحمل»
سمير عطا الله
30-04-2021 01:31 AM
الرحلة التالية فريدة من نوعها. هي رحلة لم يكن مخططاً لها، ويجب ألا تكون قد حصلت، خصوصاً أنها تحدّت كل قوانين الطبيعة وقدرة الاحتمال البشرية المعتادة. ففي ظل ظروفها، من العجب أنّ أياً من المشاركين فيها لم يلقَ حتفه.
إنها رحلة «البعثة الإمبراطورية العابرة للقارة القطبية الجنوبية»، التي كان هدفها عبور القارة للمرة الأولى، ألا وهو التحدّي الذي يعقب الوصول إليها أولاً قبل ثلاثة أعوام. وكان يقود هذه البعثة السير إرنست شاكلتون، الذي يتميز بشخصيته المرحة ولكن الصلبة في الوقت عينه.
في ديسمبر (كانون الأول) 1915 أصبحت سفينة «إنديورانس» (أي قدرة التحمّل) محاطة بالجليد، فسرحت في بحر ويديل لعشرة أشهر، قبل أن تدمّرها كتل من الجليد ببطءٍ مما أدّى إلى غرقها في الحادي والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1915. في هذا الوقت، استطاع الطاقم أن يخلّص الكلاب وبعض المعدات والمؤونة بالإضافة إلى ثلاثة قوارب نجاة. ولكنّ تحطم السفينة تركهم في وسط البحر المتجلّد، بعيداً عن أي مساعدة، ومن دون أي وسيلة تواصل. وبينما كانت السفينة تحميهم بهيكلها من الصقيع والرياح الجليدية، باتوا متروكين تحت أغطية خيامهم الرقيقة، فكانوا يشعرون حتى بتجلّد المياه تحت أقدامهم. ولم يكن بإمكانهم أن يجرّوا القوارب في هذه الظروف، فخيّموا على قطعة جليدٍ متحركة تحملهم نحو قدرهم المجهول.
وبقي الرجال على هذه الحال لأربعة أشهر قبل أن يبدأ الجليد ينكسر، واستطاعوا أن يُبحروا بقوارب النجاة، حتى وصلوا إلى جزيرة الفيل «Elephant Island» المعزولة وغير المسكونة، ولكنها على الأقل، كانت أرضها يابسة.
علق الرجال على جزيرة معزولة، من دون أي أمل في أن يعثر أحدٌ عليهم هناك. ولم يمثل أمام شاكلتون سوى حل واحد: أن يأخذ أحد القوارب ويُبحر فيه بحثاً عن إغاثة، وإلا فمصيره ومصير رجاله حتماً الهلاك. أقرب جزيرة مسكونة كانت جنوب جورجيا South Georgia، تبعد 1400 كلم عنهم في الاتجاه الشمال الشرقيّ، وفيها محطة نرويجية لصيد الحيتان. ولكن اجتياز أقسى وأصقع محيطٍ في العالم في أحد القوارب المفتوحة الذي لا يتعدى طوله سبعة أمتار، كان بالطبع أقرب إلى المستحيل. فالمخاطر التي كانت تحدق بشاكلتون ورفاقه متعددة: من انقلاب القارب إلى الموت من الصقيع والتعرّض لعوامل الطقس، إلى ضياعهم في عرض البحر بسبب فقدانهم للمعدّات المتقدمة وبقائهم مع بعض الأدوات البدائية لتدلهم على الاتجاه الصحيح. كل العوامل كان تشير إلى فشل الرحلة المحتّم.
ولكن لم يمر سوى بضعة أيام قبل أن ينطلق قارب جايمز كيرد (كما سماه شاكلتون) بتصميم نحو هذه المغامرة. واصطحب شاكلتون معه خمسة رفاق: فرانك وورسلي، ملاّح بارع، وطوم كرين المعروف بلياقته البدنية وقوّته العقلية، وقد كان يُعد «الرجل غير القابل للتدمير»، وهاري ماكنيش، صاحب المهارات في السفن الكبيرة، وكلاً من تيموثي مكارثي وجورج فينسنت اللذين كانا ملمّين بمجال إبحار القوارب. أما فيما يخصّ المعدات، فلم يأخذوا معهم سوى عدّة بحرية بدائية وبعض المأكولات وكمية من المياه تكفيهم شهراً واحداً. وانطلقوا في الرابع والعشرين من أبريل (نيسان) مع اقتراب فصل الشتاء القطبي.
الشرق الاوسط