يعجّ علم الادارة والاعمال بالعديد من النظريات والمنهجيات و الاساليب التي من شأنها أن تُقوّم وتُدير وتصوّب الاعمال البشرية على اختلافها، فهنالك منهجيات للادارة التقليدية و طرق للادارة الحديثة أو تلك الاستراتيجية التي تهتمّ بالمنظور البعيد زمنيا والناجح تطبيقيا.
منذ بدء حكاية العالم مع هذا الوباء المُستشري ونحن نشهد تخبّطاً عالمياً في ادارة الموقف , لا ينحصر هذا التخبّط على بلدانٍ نامية أو حتى متطورة، فقيرة أو غنيّة، ففجائية الحدث من الطبيعي أن تخلق تضارباً في أساليب التفكير , لكن مع مرور هذا الوقت الزمني الطويل نسبياً ( سنة تقريباً ) كان يجب أن تتولّد منهجية علمية منطقية لإدارة المشهد تخلق توازناً ما بين القطاع الصحي الأهمّ حاليا و القطاع الاقتصادي ذا التأثير المُتشعّب .
المُشكلة الحقيقية في التعامل مع هذا الوباء تتلخّص في خلق التوازن ما بين الاهتمام بصحة القطاع الطبّي وفي ذات الوقت المحافظة على سير عجلة القطاع الاقتصادي بشكل شبه طبيعي , فالتركيز المُفرط في أيٌّ منهما على حساب الآخر يولّد مشكلات لا حصر لها , فعلى سبيل المثال لا الحصر استطاعت الدول الغنية ( غالباً غربية ) صبّ قدراتها على تنمية القطاع الصحي و خلق التوازن مع القطاع الاقتصادي من خلال الدعم الحكومي الكبير , و تطبيق قرارات الحظر الشامل لأسابيع طويلة مما اعطاها فسحة من الوقت لكبح تفشّي الوباء و من هنا قد تكون القدرة الاقتصادية و المالية توفير خطط بديلة بسهولة.
لكن المشهد قد يختلف كثيراً في البلدان النامية أو الفقيرة و التي تضم في قوائمها اغلب دول عالمنا العربي , فالقطاعات الصحية قبل الجائحة كانت اصلاً بحاجة للاصلاح و التجديد , فكيف قد يكون التأثير مع قدوم هذا الوباء المفاجئ القوي ؟
هنا تبرز الحاجة للادارة و اساليبها لإحتواء الموقف و الخروج من الازمة بأسهل الطرق و أقل الخسائر , لكن للأسف نحن أبعد ما نكون عن منهجيات الادارة الحقيقية في التعامل مع الأزمة , مما أثّر سلبياً على جميع القطاعات و عناصر الأزمة , حتى العنصر البشري قد فقد الثقة في الحكومات و الاجراءات ليصل الشرخ إلى حد التشكيك بحقيقة وجود الوباء من عدمه و الحديث يطول عن نظريات المؤامرة المنتشرة بين البشر.
من الواضح أنّنا سنعيش مع هذه الحالة لمدة ليست بالقليلة , فالمتحوّرات التي تخرج إلى السطح و تجتاح شاشات التلفاز يوميا ستعمل على إطالة الأزمة لشهور قادمة كل يوم إن لم تكن لسنوات , هنا يجب أن تخرج الدول بأساليب ادارة علمية قائمة على مناطق جغرافية محددة , فتخصص كل دولة إمكانياتها لتحليل المشهد و استخلاص اسلوب ادارة يناسبها لوحدها , فالإجراءات التي تطبّق في بريطانيا قد لا تكون مؤهلة للتطبيق في المغرب و هكذا , فلكل بلد ثقافته و امكانياته و مستوى من الرفاهية في احتمال التجربة تختلف عن البلدان الاخرى.
ما يهمّ العالم أجمع و يُقبلُ التعميم به هو قضية اللقاحات و نجاعة إدارة ملفّها عالميا , فتقريبا هي المُنقذ الوحيد بالتزامن مع الاجراءات الوقائية للخروج من هذه الازمة الخانقة , و هنا تبرز الحاجة في دولنا العربية لادارة ملفها بالشكل الامثل , فنحن للأسف لا نملك رفاهية الخطأ و التجربة , فالواقع الاقتصادي يحكمنا و يُحدّد قدراتنا , وفي ذات الوقت امكانياتنا الصحية و قطاعاتها قد ضُربت في المقتل , لذلك لا سبيل للاستقرار إلّا بتسريع وتيرة التطعيم و زيادة الوعي و الثقة في هذه اللقاحات , فنظرا لضعف الاقبال على مراكز التطعيم و التخلّف عن اخذ اللقاحات قد تكون كنتيجة لتغلغل نظرية المؤامرة و الاستهداف في عدد لا بأس به من العقول العربية البسيطة , تلك التي انجرّت خلف جيوش التشكيك كنتيجة لسوء الادارة منذ اليوم الأوّل .
اذن ما نحتاجه في الفترة المقبلة في الأردن على وجه التحديد هو استخلاص منهجية وطنية تناسب قدراتنا و امكانياتنا تُعيد الثقة و ترمم الشرخ الكبير الحاصل بين الشعب و الحكومة , ليشعر المواطن أن الدولة تُسانده في تخطّي الازمة لا تثقل كاهلهُ لتكون هي و الوباء على المواطن , هذه المنهجية يجب أن تنبع من الوطن لا أن تستورد كما قلت من الخارج , فلكل بلد هويته الخاصة و ملامح قطاعاته و نظمه , عندها قد نستطيع العبور حتى ولو ببطء إلى شط الأمان .