يحتفل الكيان الصهيوني هذه الأيام بمرور إثنين وستين عاما على إقامة دولته على جزء من أرض فلسطين التاريخية وعلى حساب الفلسطينيين، ويستذكر الفلسطينيون ومعهم أحرارالعرب الكارثة التي خلّفت ما يقارب مليون لاجىء خلعوا من أرضهم بسبب المجازر التي ارتكبتها القوات الصهيونية الغازية وبسبب سياسات التطهير العرقي التي وضعت موضع التنفيذ.
غير أننا لا يمكن أن ننسى أن جيشنا الأردني كان أول من دخل فلسطين للدفاع عن عروبتها ولمنع القوات الصهيونية من ابتلاع أرض فلسطين، ولا ننسى في هذا السياق بطولات سطرها الجيش الأردني في أربع معارك رئسية هي: باب الواد واللطرون وغوش عتصيون والقدس. فعندما اشتدت المعارك دفعت القوات اليهودية بكل ثقلها لاحتلال القدس، إلا أن صمود وتضحيات الجيش الأردني والخسائر الباهظة التي كبدها لقوات العدو الغازية مكنته من انتزاع القدس من براثن احتلال كان حتمياً. وبهذا المعنى كان تدخل الجيش في الحرب حاجة قومية ولولا أداؤه الإسطوري لاحتلت إسرائيل كل أرض فلسطين ولما بقي من أرض فلسطين الحالية ما يمكن المطالبة به.
وحتى لا نكون كمن يشهد للعروس، فلنقرأ ما يقوله المؤرخ الإسرائيلي الأشهر بني موريس عندما كتب بأن الجيش الاردني كان الوحيد الذي لم يخسر معاركه مع إسرائيل بالرغم من أن إسرائيل انتصرت في حرب عام 1948. والشيء بالشيء يذكر، هناك من يرى بأن المؤرخين العرب والأردنيين على وجة التحديد قصّروا في عدم التأريخ لمسيرة الجيش الأردني بشكل علمي وموثق، فوثائق إسرائيل تشير إلى أن المعضلة الرئيسية أمام اكمال الجيش الإسرائيلي احتلال كل فلسطين كان الجيش الأردني، وبالفعل يشير آفي شليم إلى محاضر جلسات واجتماعات ضمت قيادة الجيش مع بن غوريون تناولوا فيها الكابوس الذي كان يقلق مضاجع الإسرائيليين هو الجيش الأردني وإمكاناته التي كان ينظر إليها كعامل تعطيل أمام اتمام المشروع الصهيوني.
وبالرعم من نكسة عام 1967 على خطورتها، نهض الجيش من جديد وحارب إسرائيل في معركة الكرامة، وهي المعركة التي أثبت فيها جيشنا قدرته على الدفاع عن الوطن عندما تدنو لحظة الحقيقة، وهم كذلك لهذا اليوم، ولا يجوز الإنتقاص من دور وهيبة هذه المؤسسة التي نعتبرها الخط الأحمر.
وعندما نقرأ في وثائق الآخرين من الأجانب والإسرائيليين نجد أن تاريخنا العسكري هو أفضل بكثير مما نريد أن نعترف به! والمشكلة الرئيسية في عدم رغبة العرب في الإعتراف بأن للجيش الأردني يعود الفضل في انتزاع الضفة الغربية والقدس الشريف من احتلال إسرائيل كان قادما لا محالة هو سياسي بامتياز، فهناك الكثير من العرب من أراد أن يحمل الأردن مسؤولية ما حدث في حرب عام 1948 تغطية على إخفاقاتهم وبالتالي أسقط الدافع السياسي على دورالجيش القومي والبطولي. وهنا نقول إن الجيش الأردني الذي سنحتفل بيومه بعد أيام يستحق منا جميعا أن نرفع قبعاتنا احتراما له، فهو المؤسسة الأردنية الأكثر انتماء وانضباطية وولاء لتراب الوطن.