النموذج التعاوني بين معضلة العموم و معضلة السجين
إيمان صفّوري
26-04-2021 09:39 PM
**(Prisoner's delimma, Common delimma)
« اجتماع السواعد يبني الوطن و اجتماع القلوب يخفف المحن» مثل اسكتلندي
تُعتبَر الشراكة في اي مورد مشترك وعامّ لجماعات وفئات عديدة في المجتمع من متغيرات الحياة التي نعيشها وترتبط بقضايا الاستدامة والمنفعة المشتركة؛ و ان تطورها المتنامي قد يواجه قرارات وتطبيق فعلي غير مدروس، يتأرجح بين التفكير بالمصلحة الفردية وماهية التأثير على الجماعة للمدى البعيد.
فمعضلة العموم او مايسمى المشاعات تمثل نموذجًا لمجموعة كبيرة ومتنوعه من مشكلات الموارد في المجتمع اليوم و تُعرف بأنها معضلة اجتماعية يتخذ فيها الأفراد في مجموعة قراراتهم بدافع المصلحة الذاتية ، مما يتسبب في النهاية في ضرر غير مقصود للمجموعة بأكملها. و حددها مايرز في كتابه البحث النوعي في الأعمال و الإدارة (2009 ، ص 485) على أنها "حالة تصبح فيها الأطراف المتنافسة ، من خلال السعي المنطقي لمصلحتها الذاتية ، عالقة في سلوك مدمر متبادل. " غالبًا ما يتم استخدام أحد الأمثلة على معضلة العموم عندما يستهلك كل فرد داخل مجموعة ما أكثر من الكميات الضرورية من الموارد الطبيعية المحدودة والقيمة المشتركة (على سبيل المثال ، المياه والنفط والفحم) بشكل أسرع من الموارد التي يمكن تجديدها.
و يؤدي هذا إلى استنفاد سريع ، وفي النهاية ، انقراض محتمل للموارد ، و ضرر طويل الأمد.
و معضلات العموم يؤدي فيها عدم التعاون بين الأفراد إلى تدهور الموارد وانهيارها المحتمل. و توضح حكاية هاردن عن الرعاة الذين يتشاركون في مرعى مشترك - لكل منهم حافز لزيادة عدد رعي الأغنام ، ولكن إذا فعل كل راعٍ ذلك فإنه يخاطر بتدمير المراعي.
و من منظور اقتصادي ، تعتبر معضلات العموم فئة واحدة من التفاعلات الاجتماعية ولا يقتصر ذلك على الموارد البيئية ، ولكنه ينشأ في مجالات أخرى متنوعة مثل التنظيم الصناعي ، والتمويل العام ، وسياسة الاقتصاد الكلي.
بالمقابل ما يؤدي لتعاون الآلاف المؤلَّفة من البشر هو تقسيم العمل حتى في إنتاج أساسيات الحياة اليومية. يقول سميث في كتابه الذائع الصيت (ثروة الأمم):
لنأخذ المعطف الصوفي الذي يرتديه العامل العادي كمثال، فمهما كان هذا المعطف يبدو خشنًا وبسيطاً، فإنه يمثِّل حصيلة العمل المشترَك لعددٍ هائل من العمال: الراعي، وفارِز الصوف، وممشِّطه ومنظِّفه، والصبَّاغ، والغزَّال، والنسَّاج، والقصَّار، والخيَّاط، وغيرهم الكثيرين ممَّن تتضافر اختصاصاتهم بهدف اكتمال إنتاج حتى هذه السلعة المتواضعة.
إضافةً إلى ذلك، فإن نقل الصوف من شأنه أن يتطلب أيضًا عمل البحَّارة وصانعي السفن وصانعي الأشرعة، حتى إن المقصَّات التي يُقَصُّ بها الصوف تحتاج صناعتها إلى عمال مناجم ومصاهر. إن القائمة تبدو لا نهائية، لكن هذا التعاون بين آلاف العمال المتخصصين الأكْفاء هو مصدر الثروة العظيمة التي تتمتع بها الدول المتقدمة، وهو الذي يجعل بعض السلع كالمعاطف الصوفية متاحة حتى لأقلّ الناس دخلاً، وهو ما يعبِّر عنه سميث بأنه: «ثروة شاملة في متناول أدنى طبقات المجتمع». ويؤدي حتماًً الى رفع الإنتاجية الفردية ومن ثم زيادة كمية الإنتاج الإجمالي.
وكما تأتي معضلة العموم كرد نظري على فرضية (اليد الخفية) التي تقول بأن الفرد يعمل نحو المصلحة العامة إذا قام بتعظيم منفعته الخاصة فالمزارع الذي يقوم باختيار أفضل البذور التي تدر محصولاً وفيراً ويستخدم أساليب زراعية تقلص تكاليف الإنتاج وفي المحصلة النهائية يقدم منتجات ذات جودة عالية وأسعار مناسبة للسوق تؤكد على حصته في السوق وتضمن هامشاً ربحياً معقولاً وكذلك رجل الصناعة الذي يقوم بالاستغلال الأمثل للموارد المتاحة بما في ذلك الموارد البشرية. كل أولئك يعملون نحو المصلحة العامة وان كانوا ظاهرياً يعظمون أرباحهم الشخصية. إلا أن هذا السيناريو الجميل قد يعطي نتائج عكسية في حال السلع العامة عند سوء استغلالها و ما يؤول اليه من تضارب المصالح الفردية ومن ثم حدوث كوارث وأزمات اقتصادية تعصف بالمجتمعات، فلقد بقيت كارثة (جزر الايستر) مثالاً حياً يسوقه علماء الانثروبولوجيا والاقتصاد على تنافس الوحدات الاقتصادية في استغلال الموارد الاقتصادية المحدودة مما يؤول إلى نضوب تلك الموارد ومن ثم انعدام الحياة.
معضلة العموم كذلك تساهم في بناء الفهم نفسه المتعلق بالتأثير المتبادل للسلوك الإنساني فيما يتعلق بسوء استغلال السلع العامة في (تسابق نحو الهاوية) المصطلح الذي يتداوله الاقتصاديون للإشارة للإستخدام الغير مدروس للموارد و الذي يؤدي إلى تردّي نوعيتها وكميتها المتاحة لبقية المستهلكين الحاليين والمستقبليين مثل رعي المساحات الخضراء وقطع أشجار الغابات وصيد الحيوانات البرية والأسماك واستنفاذ الموارد المائية والثروات الطبيعية وتلوث البيئة، عدا عن الوفورات الخارجية المنافسة.
إن تطبيقات نظرية العموم لا تنتهي عند هذا الحد، بل ان هناك أمثلة كثيرة لمشكلات اقتصادية عدّة هي نتيجة طبيعية لسلوك الأفراد المستغل الذي قد يدمر كل شيء ما لم تضع له ضوابط رادعة تدفعه نحو بذل الجهود في تعظيم المردود المادي وفي نفس الوقت إفادة المجتمع.
ولكن هل يتعاون الأفراد بوجود معضلة؟
قد تقودنا الاجابة لنظرية الألعاب «معضلة السجين» إحدى أهم النظريات الافتراضية في دراسة صناعة القرارات الاستراتيجية والتي وصممت لمعرفة ما ان كنت ستتعاون مع الطرف الآخر بوجود المعضلة ام لا. وتقوم ببساطة على فكرة أن القرارات العقلانية في الحياة ليست دائما هي القرارات الصائبة بالضرورة، فبعض القرارات مرتبطة بتوقعاتنا لردود أفعال الآخرين وحجم المعلومات التي نملكها وغيرها وليس دائما المنطق والعقلانية.
تلعب "معضلة السجين" دوراً مؤثراً في علوم الاجتماع، و بشكل ملاحظ في الاقتصاد والسياسة.
حيث يكون هناك صراع في المصالح، وتحدد مايمكن أن يحسب كاستراتيجية عقلانية قد تهدف إلى زيادة فائدة الشخص وذلك سواءً بالعمل مع الخصم (التعاون) او بالتخلي عنه (الإرتداد). بافتراض أن التحليل يسلّط الضوء على سلوك إنساني حقيقي - سواء بتوضيح لماذا يتصرف الناس كما يفعلون أو بفرض كيف يجب أن يتصرفوا.
كثير من قراراتنا في الحياة تشبه «معضلة السجين» لأننا نظن أن التفكير العقلاني وحده كفيل بحل مشكلتنا، لكن في حقيقة الأمر هناك عوامل أخرى في القرارات مرتبطة بردود أفعال الآخرين ربما ندفع ثمن تجاهلها، ولذا لا بد أن ننظر إلى الأمور بنظرة شمولية.
والأمر نفسه ينطبق علينا كأفراد في علاقاتنا مع الآخرين، لا سيما في القرارات المصيرية الحرجة، وفي التنافس التجاري وغيره. فعملية اتخاذ القرارات الفردية وفي خضمّ الجماعة يحتاج إلى أن نحسن السؤال ونفهم طبيعة الموقف الذي يواجهنا جيدا قبل الاستعجال بقرار وفعل غير رشيد لا نأمن عواقبه. إذ أن التوليف بين المصلحة الذاتية والإفادة الجماعية لهي السياسة الأفضل نحو تحقيق التعاون المبني على قرارات بنّاءة ذات أثر إيجابي مستدام.