في خضم الاحداث الحالية في القدس تذكرت الانتفاضة الاولى في فلسطين الذي يعود سبب الشرارة الأولى لحدوثها لقيام سائق شاحنة إسرائيلي بدهس اربعة من العمّال الفلسطينيّين واصابة اخرين على حاجز "إريز"، الذي يفصل قطاع غزة عن بقية الأراضي الفلسطينة المحتلة منذ سنة 1948 وقد اشاع الصهاينة ان الحادث هو انتقام من رجل اسرائيلي تم طعن ابنه حتى الموت وهو يتسوق في غزة. اعتبر الفلسطينيون ان عملية الدهس هي عملية قتل متعمد. وفي اليوم التالي وخلال جنازة الشهداء الاربعة اندلع احتجاج عفوي قامت الحشود خلاله بإلقاء الحجارة على موقع للجيش الإسرائيلي في جباليا فقام الجنود بإطلاق النار على الحشود. ولكن ردت عليهم الحشود بالحجارة والقنابل الحارقة ( مولوتوف) وأمام ما تعرض له الجنود الاسرائلين الصهاينة من وابل الحجارة وقنابل المولوتوف طلب الجيش الإسرائيلي الدعم. وانتشر الخبر الى جباليا المخيم وانطلقت حشود الفلسطينين في كل مخيمات ومدن قطاع غزة وهو ما شكل أول شرارة للانتفاضة لتشمل غزة بكاملها ثم انتقلت الانتفاضة من قطاع غزة إلى نابلس ومخيم بلاطة ومن ثم انتشرت إلى بقية أنحاء الضفة الغربية.
سميت الانتفاضة الاولى التي اندلعت في ٨ ديسمبر ١٩٨٧ بانتفاضة الحجارة وسمي اطفالها باطفال الحجارة لان الحجارة هي السلاح الذي استخدم من قبل الفلسطينيين للدفاع عن انفسهم. انتفاضة الحجارة نشبت بشكل عفوي وليست تحت اي تنظيم سياسي وهناك عدة اسباب لاندلاعها ومنها عدم نسيان الشعب الفلسطين قضيتهم وخصوصا الجيل الذي نشأ تحت وطأة الاحتلال فهولاء الشباب لم ينسوا اراضي ابائهم واجدادهم التي احتلها الصهاينه و ما حدث لهم بعد حرب 1948, وبالذات التشريد والتهجير القسري وتعرّضهم لممارسات العنف المستمرّة والإهانات والأوضاع غير المستقرّة في المنطقة. تدني الوضع الاقتصادي للفلسطينين والتمييز بالاجور بين الفلسطيني والاسرائلي فبالنسبة لنفس العمل يتقاضى الفلسطيني أجرا يقل مرتين عن نظيره الإسرائيلي كما كان يمكن طرد العامل الفلسطيني دون دفع أجره.كما كان الفلسطيني مطالبا بتصاريح للتنقل من الصعب الحصول عليها، بالإضافة إلى عمليات التفتيش اليومية التي يتعرضون لها في بيوتهم وفي الشوارع وعلى المعابر وبين المدن. اضافة الى الاستيلاء على الاراضي الفلسطنية وبناء المستوطنات وهدم البيوت الفلسطينية في القدس والضفة وقطاع غزة للاستيلاء على الاراضي.
اندلاع انتفاضة الحجارة كان عفوي وبنفس الوقت قوي وكثيف وفي كل المناطق كانت هبة شعبية لم يستطيع الصهاينة ايقافها وخصوصا انها تطورت لتصبح عصيان مدني مما ادى بالاحتلال الى اغلاق المدارس والجامعات والمؤسسات الحكومية والدولية واستمر الوضع لمدة ٣، اضافة الى منع التجول الذي كان يستمر لمدة اشهر على التوالي ويفتح لساعات ليستطيع الفلسطيينين النزول للاسواق للحصول على احتياجاتهم الاساسية. في ظل هذه الاجراءات قامت المدن بتنظيم عملية فتح المخابز واماكن بيع المؤن الرئيسية وتنظيم عمليات البيع وارسال الاساسيات للاسر المتعثرة مثل الحليب والدقيق والارز والسكر. اضافة الى تأسيس وتنظيم مجموعات من الشباب والشابات لتدريس الاطفال لان ٣ سنوات من الاغلاق للمدارس حتما سيؤدي الى جيل غير قادر على القراءة وغير متعلم. ومجموعات للرعاية الطبية وتوفير الادوية من الصيدليات المجاورة في الاحياء. مثل هذه التنظيمات اتت بشكل تلقائي في المدن والقرى للحفاظ على استمرارية الانتفاضة للدفاع عن القضية الفلسطينية والكفاح على جميع الاصعدة من خلال التعاون على مستوى الاحياء في المدن فكل حي يتكون من مجموعات وكل مجموعة مسؤولة عن امور محددة لخدمة الحي سواء من ناحية التعليم او الصحة او الغذاء والمساعدة في كل الاوقات. قدمت الانتفاضة نموذجا ملحميا من التعاون والتكافل الاجتماعي بين الناس كل فرد في المجتمع كبير وصغير رجل وامرأة وطفل قدم شيء للانتفاضة مما زاد زخمها وصلابتها وطول مدتها فبقيت الانتفاضة في اوجها مدة ثلاث سنوات متتالية من خلالها تم التخلص وقتل كل العملاء المتعاونين مع الصهاينة فجاءت الانتفاضة لتنقية البيئة المحلية من عفن المتعاونين. الى ان تدخلت الفصائل الفلسطينية ومنظمة التحرير وجاء اتفاق اوسلو واجهض كل ما بناه ابناء الشعب الفلسطيني وما حققوه في ثلاث سنوات، وبدأ عصر جديد من عصور الخيانة للشعب الفلسطيني. عصر السلطة الفلسطينية.
عندما اتذكر تلك الايام واقارنها بأيام الحجر وكيف العالم والناس لا تستطيع التأقلم في ظل الجائحة لا في الحجر ولا من الناحية الاقتصادية او الاجتماعية او الصحية استغرب وأقول في نفسي كيف استطاع اهل فلسطين التأقلم مع حجر ( منع تجول ) تحت السلاح لا تستطيع ان تخرج الى حديقتك او ان تقف على شرفة بيتك والا سيطلق عليك الرصاص وتمنع من الخروج واذا خرجت تقتل او ينكل بك او تساق للسجون للتعذيب.هذا اضافة الى الترهيب والتخويف في اطلاق الرصاص والقنابل المكثف في الليل وصوت الطائرات التي تدوي ليلا في سماء المدن والقرى لتخويف الناس، اضافة الى الاعتقالات الليلية التي يقوم بها جنود الاحتلال واصوات النساء والاطفال وصراخهم لحماية الاباء والابناء من الاعتقال. هذه هي حياة اهل فلسطين هذه هي حياة أهل الرباط ليس فقط في الانتفاضة بل في كل يوم انت مهدد وفي كل ساعة عند خروجك من منزلك انت مهدد، هناك احتمال لعدم عودة الابن والابنة والاب والاخ والاخت والام الى المنزل.
فطوبى لشعب لا يهاب الحراب ولا السجون ولا يهاب العدو المدجج باسلحته لان كل فلسطيني مسلح بقضيته التي لا ولن يتنازل عنها بالرغم من تخاذل السلطة الفلسطينية والانظمة العربية. فلسطين ولادة وكل جيل يأتي اقوى من الجيل السابق يؤمن بنفسه وبقضيته وجيل الحجارة الذي انتفض في ال ٨٧ ونجح اتى الان جيل الاقصى الذي سينتصر باذن الله.