الشفافية وعقلنة الرأي العام
د. مشعل الماضي
25-04-2021 01:59 PM
منذ بدء ادوات التواصل الاجتماعي في الظهور والاتساع أصبحنا نرى الرأي العام يحتل المساحة الأكبر من الفضاء الإعلامي، وهو الحق الطبيعي للشعوب في الإدلاء بدلوها وتوجيه بوصلة الدولة نحو المصلحة العامة، وهو ما يكرس المفهوم الحقيقي للديمقراطية والذي يتلخص بحكم الشعوب لنفسها، وهنا يبرز دور الدولة بمجاميع سلطاتها المختلفة نحو التأقلم والتعامل مع هذا المستجد من الحق السياسي الغائب منذ زمن بعيد --، بالتحاور مع قيادات المجتمع وبلورة موقف موحد يبين اين تقع المصلحة العامة لكل محور من المحاور المهمة التي تتعلق بمصلحة الوطن والمواطن للوصول إلى مفهوم محدد يشكل الأرضية الرصينة الشرعية التي تنطلق منها السلطات الثلاث في تحديد النهج المعتمد الذي ينبثق عنه كافة خطط العمل والقرارات سواء أكان ذلك في الشأن الداخلي أو الخارجي، عندها تصبح الخطى ثابتة والرؤى واضحة لكل من صانع القرار والمواطن، وبهذا يتجذر مبدأ الشفافية والمسؤولية، والمساءلة والمحاسبة لكل من يحيد عن ذلك النهج القائم على مشاركة الشعوب في تقرير مصلحتها، تلك المصلحة التي يجب ان تتبلور على أساس اننا كدول عربية انتابها الكثير من الضعف والوهن؛ ليس لنا مطلق الحرية في اختيار الأسس التي تبني عليها مصالح بلادنا، بل ما يجب على الجميع معرفته بأن خياراتنا في ذلك محدودة تفرضها علينا دول كبرى وليس لنا أمامها إلا التصالح واعتماد الأنسب من تلك الخيارات الضيقة بصفتنا دول نامية لا زلنا في طور التكوين ننتظر الدعم والمساعدة من الدول العظمى التي سبقتنا في تطورها مسافات ضوئية.
تلك الحقيقة الغائبة عن البعض يجب علينا الاعتراف بها للحفاظ على الممكن من أمن واستقرار الأمة العربية التي مزقت وحدتها وأُجهشت قوتها بفعل تكالب العالم الخارجي على ثرواتها بوقت كان العالم العربي يئن تحت سياسات استعمارية بغيضة اتت على كل شي، وعليه فقبل ان نحدد النهج الذي نسير عليه يجب ان نعرف اين نحن الآن، وما هي ادوات قوتنا وعوامل ضعفنا، هذه الحقائق مجتمعة يجب على الحكومات ان تشخصها وتكاشف الشعوب بها بكل شفافية، لا ان تاخذنا العزة بالأثم ونبقى نكابر حتى نخلق رأيا عاما واهما بقدرة الحكومات العربية على صنع المستحيل في ليلة وضحاها.
ولا يعني ما سبق ان نغرس في عقول الأجيال الحالية او نؤسس للقادم منها حالة من الإنهزامية والضعف؛ فلنا من صبر رسول الأمة صلى الله عليه وسلم في بداية دعوته وتلاها هجرته عليه السلام من مكة للمدينة قدوة حسنة، ولنا في قوله سبحانه (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل..)، وعليه فاننا نستطيع أن نخاطب فئة النخب السياسية بالقول انكم لم تعودوا مالكي القرار بمصير الشعوب لوحدكم بل فرض الفضاء الإعلامي عليكم ان تعودوا للشعب وان تكاشفوه بكل شفافية عن حقيقة الواقع الذي نعيش، وما نتعرض له من ضغوط خارجية وداخلية، و توضيح ماهية الظروف التي تجنح بقرارات الدولة احيانا عن المصلحة المباشرة للشعب ، بينما تجد ذلك الجنوح قد يتضمن في طياته مصلحة أسمى ، كمصلحة استقرار الوطن وتحقيق امن حدوده أو شراء علاقات دبلوماسية تعود بالمنفعة المستقبلية للأجيال القادمة على سبيل المثال لا الحصر ، وهذا يتطلب قيام تشاركية فيما بين الحكومات و قيادات ومؤوسسات المجتمع بكافة انواعها وأشكالها ، وخلق التشريعات الناظمة التي من شأنها تشجيع الأعمال الحزبية والنقابية المتفهمة لحقيقة مايجري، بحيث يتفق الجميع على تقرير مصالح الوطن الواقعية وليست التخيلية المبنية على وهم صعب المنال، وبهذا نكون قد وصلنا إلى تحقيق عقلنة وتحوير وبلورة الرأي العام بالشكل الذي يخدم مصلحة الوطن والأفراد ويمنع تخبط صياغة مصلحة الدولة التي اصبحت رهينة لكل من يهرف بما لا يعرف ، سواء من الدوائر الضيقة للنخب السياسية ، أو باقي فئات المجتمع.
بذلك فقط يمكن أن نستثمر أدوات التواصل الاجتماعي لما فيه خير البلاد والاندفاع نحو المفيد في جميع قطاعات الحياة ، بعيدا عن الإتهامية والمناكفات، بحيث يصبح الشعب شريكا في المغنم والمغرم .
حمى الله اردننا العزيز بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين المعظم.