هَرْولة:
طار فرحًا، واتّسعت له الأرض ورحُبت، ورأى في صديقه -المسؤول الجديد- نموذجًا فريدًا في الإدارة الحقّة، والمعاملة العادلة، وإقصاء الشّلليَّة في كوادر المؤسّسة المترامية، وَوَضْع المناسب في المناسب- وأنّه جدير بالاحترام والتّقدير!
- لا يا صديقيّ، لا تُشطط؛ فإنْ كان أوَّل من يجوع، وآخر من يشبع، فأعلمني!
جَهْل:
دخل إحدى المكتبات، وأظنُّه جاوزَ الخامسة والعشرين، وإنْ شئتَ يساويها. تَلحظ فيه سَمت طلبة العلم، مَملوح الوجه، يُغطّي رأسه (غُترة) حمراء زاهية، يُثبّتها (عقال) أسود مفتول بإحكام- وسأل عن كتاب "نظريَّة النُّظُم عند الجرجانيّ"، لأستاذة جامعيَّة، فأُسقط في يدي الكُتُبيّ؛ أنَّ عبد القاهر الجرجانيّ لم يتحدَّث عن أيّ نظام من النُّظُم: السّياسيّة، أو الاجتماعيّة، أو الاقتصاديَّة، أو غيرها...!!
فِطْرة:
يا له من تلميذ حصيف، ذي طلَّة بهيَّة، يُحَلّيها شَعَفَةُ (خُصْلة) شَعْرٍ، مَشوبة بحُمرة تزيّن جبهة وجهه الورديّ! أُغرمَ بـ "فيلم الرّسالة"، وهام فيه، وغرَّد له، وكان يُطربه قولُ سيّد الشّهداء: "يا محمَّد، يا بن أخي: عندما أجوبُ الصَّحراء في الليل، أُدرك أنَّ الله أكبر من أنْ يُوضعَ بين أربعة جدران"...، فكيف يكون هذا يا مُعلّمي؟
استمع إليه وأنصت -وهو في غُرّة الثلاثين، يَشتعل نشاطًا وحيويّة، يقدّمه زملاؤه، ويَحْنو على تلاميذه "حُنوَّ المُرضعات على الفطيم"- ثم قال: هذه فطرة سليمة يا ولدي، قادت أسدَ الله إلى إيمانٍ سليمٍ غيرِ مَشوبٍ بنزعاتِ الجاهلية وتَعَظُّمها بالآباء، فَأَدرك ابنُ عبد المطّلب أنَّ هذا الكون من حوله، وهو يسير بانتظامٍ من غيرِ خللٍ ولا اضطراب، إنَّما هو صنيعةُ إلهٍ واحدٍ متفرِّد بالألوهيَّة، لا ينازعه فيها أحد!