من أواخر سبعينيات القرن الماضي أرتجل الأردن طرقا للتعاطي مع قضاياه الحساسة، فمنذ احداث أيلول وحتى منعطف هبة نيسان ثم الغرق الإقتصادي إثر تداعيات الأزمات السياسية العربية والتي كانت تهز كيان الأردن في كل مرة، إلا أن الأردن بواسطة حكم الهاشميين الدبلوماسي وإئتلاف العشائر والمكونات الإجتماعية بأشكالها تمكن من عبور حقول الألغام دون تدوين تاريخي لإسالة دماء الأردنيين أو قمعهم بشكل تغيب فيه مظاهر الإنسانية.
واليوم في أزمة الأردن السياسة الأخيرة وغير المسبوقة نتيجة تكوينها المعقد بين أفراد الاسرة الحاكمة، والتي انبثق عنها محاولة إشاعة الفتنة وزعزعة الأمن الوطني، وإعتقال ما يزيد عن ستة عشر متورطا أثارت الدهشة والفزع وكثرة القيل والقال حتى كدنا نجزم أننا أمام خيار صعب وهو السقوط في جرف هذه الفتنة بعد أن تشكل رأي عام منقسم بشكل أذهل الجميع، كاد أن يحملنا كفن الوطن!.
لأن حيثيات القضية بقيت ضبابية بل ومشككة ليخلط الأوراق بضعة فزعات إعلامية لا وزن لها وفي كل مرة كانت تظهر او تدلي بدلو السم يشق الراي العام اكثر، كما حاولت تشكيلة نشطاء بلا وعي لديهم بالحالة العامة سوى بنشر غوغائي وبلا ادنى وعي ثقافي لدى بعضهم فاثروا في آليات صناعة الخبر وامتزاج الرأي العام لكن ليس بشكل ايجابي مطلقا بل ساهموا بخلق رأي عام مضاد للرواية الرسمية والشارع الأردن بات واعيا عن هذه التمثيليات ومتابعته لهم لا تتجاوز فضول او ملل الناس، فكادنا ان نشهد الوطن يُضحى به من قبل هؤلاء وندخل طريق مظلم لا رجعة فيه.
ليأتي تعاطي جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين مع قضية الفتنة بقفل ملفها تماما بعد الإفراج عن المتورطين الأردنيين أبناء العشائر ودرع الهاشمين الأول، ولملمة أي شظايا ألمحت في عمقها لفرقة كادت أن تمس العائلة الهاشمية وتفجر العائلة الأردنية الكبيرة وتؤثر بكل مكوناتها وهذه خطورة سياسية واجتماعية غير مسبوقة في مئوية حكم الهاشمين الأولى للأردن العظيم.
فجاء القرار درءا للفتنة العظمى التي كدنا أن نقع جميعنا ضحايا أمام طوفانها.
وهذا يثير تساؤلا هل كانت التهديدات فتيلا كافيا لإشعال هذا الإنقسام الوطني غير المسبوق؟
ومن كان خلف هذه المشورة وكيف قِيس حجمها؟
ورغم هذه التساؤلات الصعبة، إلا أن الرؤية اليوم باتت أكثر وضوحا في تأكيد شعبي أن حكم الهاشمين الذي أتى بالمبايعة والقبول العشائري كان ولازال محط إحترام الأردنيين وصمام أمان الأردن.
ليأتي قرار الملك عبدالله معززا للإنتماء لثوابت الوطن معيدا النقاط على حروف مزقها القلق والرهبة من الوقوع في كارثة سياسية كانت ستكون نقطة الصفر الأعظم.
فلاشك أن السواد الأعظم من الرأي العام الأردني تنفس الصعداء وابتلع خوفه ليعود لهدوئه الذي عُرف فيه كشعب رغم كل الصعاب يقول الحمدلله دائما وابدا
وهذا ولابد يجعلنا نقف بصمود وتحدي اكبر لمستقبل محفوف بالمخاطر الاقتصادية وتوسع الاسى الإجتماعي في ظاهرة إحباط عام، فلابد ان تلك الاسابيع القليلة من الخوف توجب علينا اليوم ان ندفع نحو مهمة الاصلاح الاداري وتهيئة لفصل السلطات الثلاث واعادة السلطة القضائية لسلطتها ومنح القبة مهلة للاعداد للاصلاح السياسي فلم يعد النهج الكلاسيكي القديم مجديا امام حالة الوعي الشعبي الكبيرة، وتميز الناس للغث من السمين، وواجب على الدولة ان تتبنى شخوصا جديدة وتضخ دماء شباب متوازنين لتثبتهم في لحمة الهوية الوطنية فلا تفقدهم نحو جرف الهجرة او المعارضة الحادة.
الأردن اليوم رغم مضينا في استقرار امني الا انه في خداج الوجودية كوطن يكفل الحقوق والواجبات ويدفع بخطابه الاعلامي والامني والاصلاحي بلهجة واحدة تقود نحو تنمية مستدامة تضمن اردن يحيا بكرامة.
والحمدلله على سلامة الوطن