بوتين يقرع جرس البيت الأبيض
د.حسام العتوم
24-04-2021 12:24 PM
شكل تصريح رئيس الولايات المتحدة الأمريكية المنتخب حديثا جو بايدن لشبكة الإذاعة والتلفزيون ABC news العاملة في نيويورك بتاريخ 18 اذار 2021، والذي اجاب من خلاله على سؤال للصحفي الإعلامي جورج ستيفانوبولوس حول إذا ما كان يعتقد بأن رئيس روسيا الاتحادية فلاديمير بوتين (قاتل - Killer), و اجاب (بنعم) ومن دون اعتذار لاحق، شكل تحولا في السياسة و الدبلومسية الروسية بعدما خطط في امريكا عبر اجهزة الاستخبارات CIA ) (, والبتاغون، والكونغرس، والايباك على ما يبدو لتفلت الامور عن عقالها، ولتتشنج العلاقات الأمريكية - الروسية تحديدا، وربما لتتفرغ امريكا بعدها لمثل هكذا تشجنيج مع الصين، وايران، وكوريا الشمالية، وعينها على إسرائيل لحمايتها ولاستمرار اعتبارها خطاً احمراً، فجاء رد الفعل الروسي عبر الرئيس بوتين هادئا ومفاجئا لأمريكا، عندما اعلن بتمنيه الصحة لبايدن الذي يشارف عمره على الثمانين عاما. وذهبت أمريكا بعد تصريح بايدن لطرد مجموعة من الدبلوماسيين الروس كعادتها، وهي ليست المرة الأولى التي تفعلها أمريكا، فهكذا فعلت إبان قضية " سكريبال " عام 2019، وزمجرت لقضية المعارض الروسي المحسوب على الغرب الأمريكي و اجهزته اللوجستية " نافالني "، وهي، اي امريكا غير مرتاحة لضم روسيا لإقليم (القرم) عام 2014، و ثبتت قاعدة لها في غرب اوكرانيا لحماية " كييف" حالة إصطدامها مع شرق اوكرانيا ومع روسيا في الدونباس.
فما هو السبب الرئيسي لتصرف و خطوة بايدن يا ترى، ومن يقف وراء ذلك، وإلى ماذا تهدف؟ وكيف تصرفت روسيا بوتين بعد ذلك ؟ الواجب معرفته بداية هنا هو أن المخابرات الأمريكية CIA هي التي تقود امريكا وليس قادة البيت الأبيض، والعكس صحيح في روسيا عندما نلاحظ قيادة روسية لقصر " الكرملين " يقف خلفها جهاز مخابرات روسيا " FCB ". واعتمدت امريكا بايدن على تقارير استخباراتها في موضوع إتهام روسيا بالعبث الكترونيا بانتخاباتها الرئاسية 20202021 في عهدي دونالد ترمب وجو بايدن نفسه، و لم تكلف ذاتها التوجه لمحكمة مختصة كما دعاها إلى ذلك الرئيس بوتين في قمة هلسينكي عام 2019 عبر الرئيس الأمريكي ترمب. وروسيا في المقابل لم تكن يوما مهتمة بمن هو الرئيس الأمريكي القادم، وهي على الدوام جاهزة للمباركة لأي رئيس امريكي قادم للتحاور معها، و لتبادل الزيارات بين موسكو وواشنطن بهدف بناء علاقات استراتيجية دافئة بينهما.
وسبق لترمب أن عمل في موسكو بصفة رجل اعمال عام 1978، ولم تتوقع روسيا يوما صعوده إلى سدة السياسة في واشنطن من وسط الاقتصاد، وعندما اصبح رئيسا لأمريكا بعد فوزه على هيلاري كلينتون عام 2016 في الانتخابات الرئاسية لم يكن لروسيا اي دور في إنجاحه، وهو مباشرة لم يتهم موسكو بتزوير الانتخابات الامريكية وقتها، والأمر ذاته الذي يصعب تصوره حتى الكترونيا في زمن التفوق الالكتروني الأمريكي ومنه الرقابي. وفي جولة ترمب الرئاسية مع بايدن عام 2020 اتهم ترمب وحزبه الجمهوري جو بايدن وحزبه الديمقراطي بتزوير انتخاباته التي يعتقد بأنه فاز بها، وتوجه بعد ذلك وحزبه لاقتحام الكونغرس الأمريكي غضبا. فلماذا روسيا إذن؟
روسيا لم تقف مكتوفة الأيدي امام كاسحة الحرب الباردة الأمريكية و على كافة المستويات، فعملت على سحب سفيرها في واشنطن للتشاور، وطلبت من سفير أمريكا في موسكو مغادرة روسيا للتشاور مع بلاده أمريكا في مثل هكذا أزمة مفتعلة، و قابلت الطرد الدبلوماسي الروسي بمثله بطرد دبلوماسي أمريكي، ووعدت بالرد على العقوبات الاقتصادية بمثلها، وأعلنت عن تطوير جديد للقاح كوروناSPUTNIK V" " المتفوق عالميا على لقاحات الصين وأوروبا و أمريكا، وسوف يشهد شهر سبتمبر المقبل نجاحا جديدا في مجاله، وفي المقابل حرب الفوبيا الروسية المبرمجة في العالم لا زالت دائرة عبر بث إشاعات و دعايات رمادية و سوداء مغرضة مثل القول بأن COVID 19)) هو بكتيريا و ليس فايروس، و بأنه من الممكن علاجه بالأسبرين، وتنشر الإشاعات الملفقة باسم وزارة الصحة الروسية، وهي جزء من حرب (السوبر) الأوروبية الرياضية الجديدة لخساراتها المالية بسبب انتشار فايروس كورونا الخطير. وسبق لروسيا العام المنصرم 2020 أن قدمت مساعدة طبية في مجال مكافحة كورونا لإيطاليا، ولأمريكا، وردت أمريكا على المساعدة بالمثل.
وفي المقابل توجد ملاحظة جديرة بالانتباه لها، وهي بأن قادة أمريكا عبر مرور الزمن وعلى إتلاف شخصياتهم وادائهم السياسي لم يرفضوا زيارة موسكو السوفيتية والمعاصرة كما حدث و يتكرر في زمن الرئيسين دونالد ترمب و جو بايدن، فلقد زارها الرؤساء (فرانكلين روزفلت، رتشارد نيكسون، ورونالد ريغان، وجورج بوش الاب، و بيل كلينتون، و جورج بوش الأبن، وباراك اوباما، والمرشحة الرئاسية لاحقا هيلاري كلينتون، وزعماء سوفييت زاروا أمريكا مثل نيكيتا خرتشوف، وليونيد بريجينيف، وبوريس يلتسين، وإعلان سابق للبيت الأبيض عن احتمال زيارة بوتين لمقر الأمم المتحدة عام 2015 في النيويورك، وتصريح لدميتري بيسكوف مدير إعلام الكرملين عن زيارة محتملة لبوتين عام 2018 لأمريكا لم تترجم إلى واقع . فلماذا الخوف من روسيا؟ اليس الحوار، والكفيار، وصيد السمك، والسلام، افضل بكثير من الصدام، والمؤامرات، والعنف، والاغتيالات ؟
نقل عن الرئيس بوتين قوله بالهاتف للرئيس بايدن عن دور أمريكا في محاولة الانقلاب الفاشلة في بيلاروسيا قبل ايام، و الشروع باغتيال رئيسها الكسندر لوكاشينكا في احتفالية النصر على الفاشية في العاصمة (مينسك) في 9 ايار المقبل، و هو الأمر الذي أكتشف في موسكو و لم ينجح . و على هامش كلمة بوتين مؤخرا بتاريخ 22 نيسان 2021 امام مجلس الأمة الروسي في قصر الكرملين في موسكو، ذكّر بالحادثة البيلاروسية المؤسفة، و قبلها التي تشبهها بانقلاب كييف عام 2014 الذي نجح واستهدف الرئيس فيكتور يونوكوفيج، وقصد اغتياله. و دعا بوتين أوكرانيا ( كييف) لحوار داخلي لحل مشكلة الدونباس، ورحب بالرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي لزيارة موسكو مع ضمان امنه الشخصي بهدف تطوير العلاقات الأوكرانية الروسية بالمجمل.
ورسالة سابقة هامة للرئيس بوتين بتاريخ 22 نيسان الجاري أيضا وجهها لأمريكا عبر وزير خارجيته سيرجي لافروف لضبط الخلل القائم وسط العلاقات الأمريكية - الروسية، والشكوك الدائرة بسبب التشابك الإعلامي بين البلدين العملاقين نوويا، وهي التي اقترحت عدة حلول على شكل برنامج عمل يوقف المماحكات في مجال الإعلام الرقمي، ويعيد العلاقات الدولية والثنائية الى مظلة الأمم المتحدة، وتغليب الحوار على الاتهام من طرف واحد، والمحافظة على بقاء قنوات الاتصال مفتوحة، وعدم زج البحرية و الفضاء في الصراع الالكتروني القائم، تماما كما نصت على ذلك اتفاقية عام 1972 السوفيتية مع الغرب. ودعوة لدول العالم لعدم توجيه ضربة إعلامية رقمية أولا لأي دولة، حفاظا على أمن العالم، والتوجه لحوار عالي الشأن في المجال الإلكتروني خاصة بين روسيا وأمريكا، وإعطاء ضمانات لعدم التدخل في الشأن الداخلي لأي بلد على خارطة العالم. والذهاب لزرع الثقة، وترك المجال للخبراء لقول كلمة الفصل في القضايا العالقة. ولقد سبق لي أن نشرت مقالة بعنوان (أمن العالم) تحمل أفكارا مشابهة لما ورد في رسالة بوتين، تدعو للوئام بين روسيا وأمريكا عبر مجلس الأمن والأمم المتحدة والمحكمة الدولية بهدف سلامة المجتمع الدولي.