يرحل اليوم متعب السقار بعدما أتعبه المرض، سمعتُه يشكي للإعلام أكثر من مرة من شدّة المرض، كان متعبا وهو على سرير الشفاء... متعب السقار ليس فقط صوتا أردنيا خرج من بيوت الرمثا يحمل كل جمال حوران، وأطربنا بأغاني الفلاحين والحصادين والرعيان، إنّما متعب هو جزء من صوتنا الندّي الدافئ، فيه من بقيّة نعناع وريحان القرى، وبحّة ناي الرعاة، صوت مزج بين حداء البدو والهجيني والسامر والحبل المودّع والزغاريد والدرازي والدبكة الرمثاوية وتراويد الأعراس، متعب الصقار حمل صوته جزء من نسيج الهوية الأردنية التي تتزين بقصائد عرار وسليمان المشيني وحبيب الزيودي وحيدر محمود..
أنحاز مثل الكثيرين لصوت متعب وهو يصدح بالأعراس: "منهو على الخيل فارس ".. وهو أول من غنّى للملك رائعة حبيب الزيودي: "هلا يا عين أبونا .. هلا يا واسط للبيت"، وكنّا ننتشي عندما ينادي في الإذاعات صباحا: "أردنيين وما ننظام ومهرك يا الأردن غالي.."، وغنّى للعسكر وللجيش بصوته النقّي: "مواكب الجيش مرت مع بيارقها..".. "وتردّ الريح يوم الريح تقرب سورك العالي.. نثبّت شاردات الخيل يوم يطبّها جفال"...
متعب هو إمتداد لأصوات بلدنا التي تحمل جينات الأردن معجونة بتراب الحواكير، وعنب الموارس ومياه الينابيع، وقهوة ومهابيش الأباء، وعرق الكادحين والعسكر، وتسابيح وتمتمات الأمهات والجدات.. هو إمتداد لصوت فارس عوض وميسون الصنّاع وتوفيق النمري وعبده موسى وسميرة توفيق وسلوى العاص...
غادرت مبكرا يا متعب.. غادرت وهناك الكثير من الأغاني والقصائد في القرى والبوادي ما زلنا ننتظر سماعها منك، فثمة أغنية لم تكتمل، وثمّة قصيدة تنتظر بيتها الشارد الأخير، وثمة وطن ما زلنا نحبه ونغني له ونبكي على حزنه، وثمة وطن ينتظر منّا الكثير الكثير.
سلام عليك وعلى حضورك وغيابك.. وسلام على وطن أجمل فرساننا وفتياننا غادروا مبكرا