ارتقت روحك يا خادم الناس، رحلت من عالمنا تاركًا للوطن جسدًا يواريه التراب، إنها الحرية المطلقة عندما تصبح الروح في طريقها لخالقها، لا قيود ولا تحفظات ولا تصويت بلا أصوات، حرية التعبير المطلقة انتهت معك، عندما تخلصت من الجسد المقيد بجوارحه.
تحررت يا حازم من كل قيود المواقف والمجالس والسعادة والمعالي والمشايخ، لكنك لم ترحل لوحدك بل رافقتك أعمالك الطيبة وكل دعاء لك بالرحمة والمغفرة، رافقتك دموع الحجات اللواتي سعيت في قضاء حاجتهن، رافقك صوت الحشرجة الفرحة بالبكاء في حناجر الشباب عندما لبيتهم ووقفت معهم، هو صدي العمل الطيب الذي عرفه عنك الثائرين والغيورين من أبناء الوطن.
كان هناك بعض المعرفة مع حازم المجالي، لكنها كانت كافية بالنسبة لي كي أتعرف على بعض ما لديه من محاسن وطيبة وسعي لخدمة المجتمع والشباب، لقد كنت أكثر منه شغفاً لتلبية طلبه للناس لأنه صادق فيما يقول، ينطق بالأدب من الكلام و يتفهم كل الأمور.
حازم ليس مجرد نائب في البرلمان ويجلس تحت القبة، بل هو «صاحب صاحبه» وله مواقف قد يعرفها عنه الكثيرون ولا أعرفها عنه، لكن لحازم وطن تركه وغادر ليدفن معه كل الذكريات والمناوشات، وطن كأنه حديقة تعيش في لكنته الكركية الأصلية، وطن حيادي الشعور بإنسانية كبيرة لا يفرق بين الشباب والشابات من هم أو أصلهم أو دينهم، جلسة مع حازم تتجسد فيها مواقف للوطن ووجع العارف.
حزننا اليوم ليس على فقدان حازم المجالي فقط، بل على الوطن الذي يغادره كل الأوفياء والشرفاء، وأقول وبقلبي غصة من الألم.. لماذا يختارون الموت أم يختارهم الموت.. منهم من يغادر الوطن مهاجرًا في أرض الله الواسعة، وآخرين يهاجرون لله مغادرين بلا عودة لماذا يقع هذا عليهم دون غيرهم من الأغبياء في وطني أو الفاسدين أو الديناصورات المتحجرة، لماذا لا يخطف الموت الظالمين والمتجبرين، نحن لا نعترض على إرادة الله وتدبيره ولكن لماذا يغادرنا الطيبون والطيبات، هل وقعت علينا لعنة السماء لسوء أحوالنا وسكوتنا عن قول الحق، فيقع العذاب أولاً على الصالح قبل الطالح.
لا أنسى جلسات الحوار المقتضب، كان يسرد قصص كثيرة حول من أخذ ونهب ومن شرك وترك، ومن الدفع للابتزاز وكان يغضبنا ما نسمع، لكنا نتفق أن ننسى ما قص علينا، ويقول يا جماعة «احتسب عند الله «.
وداعا لك وداعاً أخيرًا لوجهةً كلنا متجهين لها آجلًا أم عاجلاً، رحم الله روحك وغفر لك، وما عند الله خير وأبقى، نستودع الوطن وأهله والله خير حافظًا.
(الدستور)