عندما تحققت الهزيمة العربية الاولى فوق ارض فلسطين في عام ,1948 كانت الدول العربية المجاورة, المشاركة في الصراع والقتال في احوال اقتصادية محدودة, وكان الناس يعيشون كفاف يومهم, ورغم ذلك تطوعوا للجهاد, وفتحوا حدود بلادهم وابواب منازلهم للنازحين الهاربين من المذابح التي ارتكبتها العصابات اليهودية المدعومة من جيش الانتداب ومن اوروبا التي اضطهدت اليهود وبعثتهم الى بلادنا, والذين نزحوا بسبب غياب الوعي ايضا!!

حلت النكبة بشعب فلسطين عندما كان الشعب العربي في اعلى مراتب الوعي الوطني والقومي والانساني, لذلك فتحت الابواب بوجه اللاجئين, واعتقد ان النكبة لو تأخرت 62 عاما او اقل سيتم اقفال الحدود واغلاق الابواب والنوافذ بوجه الشعب المنكوب, لان جيل المشروع القومي انقرض, وحلت الاجيال التي نشأت وترعرت في احضان الانعزالية والقطرية التي عززتها الانظمة والمنظمات طوال عقود مضت, وهي الحالة التي لم ولن تنجح في مواجهة المشروع التوسعي اليهودي..

لذلك حل 15 ايار مثل ضيف ثقيل هذا العام فهناك من العرب من تجاوزه بكل معانيه, فتجاهل ذكرى النكبة والنكسة والسقوط العربي المريع متجاهلا ان اعداء العرب على مداخل الوطن وفي كل الثغور وان اليهود يحتلون المستقبل العربي كافة...

حل 15 ايار يدق على جدار الذاكرة فلا نسمع سوى الصدى ولا نرى غير الفراغ الخالي حتى من المشاعر والعاطفة والانسانية. فويل لمن يتذكر 15 ايار او يحاول ان يرفع صوته او يرفع علما اسود فوق بيته... فهو ارهابي مكانه في غوانتانامو...

ولكن اوباما تذكر 15 ايار فلم يتجاوزها او يتجاهلها, فهو مثل كل امريكي ابيض يرى في اسرائيل نموذج امريكي او نبتة شيطانية اخرى ظهرت من جذع اول دولة استيطانية استعمارية في التاريخ...

فعندما وصلت اول موجة من المهاجرين المستعمرين البيض الى ارض الهنود الحمر في المنطقة التي عرفت في ما بعد باسم جورجيا والمسيسيبي ونيوانغلاند كانوا يحملون روحا تبشيرية يهودية حين قالوا: هنا سنبني اورشاليم ...

فكانت امريكا التي نشأت بروح يهودية سيطرت على الكنيسة المسيحية باسم التجديد وبعده باسم "المحافظون الجدد"...

في ذكرى نكبة فلسطين قدم الرئيس اوباما لاسرائيل هدية هي عبارة عن وعد بتزويدها 205 ملايين دولار لشراء منظومة دفاع ضد الصواريخ اطلق عليها مصطلح "القبة الحديدية"... بعد تأكيده المتواصل التزام واشنطن بأمن وسلامة اسرائيل...

هذه الهدية قدمتها الدولة الراعية لمفاوضات السلام في ذكرى نكبة فلسطين وهي المناسبة التي تناساها وتجاهلها كل العرب في زمن غابت فيه النخوة...

الثابت ان اسرائيل لن تتوقف عند حدود فلسطين التاريخية, ولن تكتفي بتهويد القدس, ربما كان ذلك في زمن مضى عندما كان الصراع صراعا عربيا - اسرائيليا وعندما كان لدى الامة خيار الحرب الى جانب خيار السلام, ولكن الان الوضع العربي المتهالك يشبه الى حد بعيد الوضع العربي خلال الحملات الصليبية على المشرق واحتلال القدس, فهذا الواقع انعش الحلم اليهودي القديم بالتوسع والتمدد من اجل اقامة "اسرائيل" الكبرى..

والان بعد 62 عاما من نكبة فلسطين نرى اسرائيل تخضع لارادة التطرف والتوسع والتهويد والاستيطان بشكل غير مسبوق وفي ظل معاهدات سلام, ومفاوضات سلام, وحديث فارغ عن السلام, في حين نراها تتوسع وتتقدم ونحن نتراجع امامها, ونفتح لها عمقنا العربي من "تحت الطاولة" وكأننا نكافئها على مشروعها الشيطاني العدواني التوسعي الاستيطاني!!

كنا نتوقع ان تكون ذكرى احتلال فلسطين التي تحل اليوم ذكرى مشحونة بالبرق والرعد والوعي من اجل ايقاظ الامة من حالة "الكوما" التي تغرق فيها, وان تكون مناسبة عربية لاحياء الوعي الوطني والمشروع القومي لدعم صمود الشعب الفلسطيني في دياره وارضه بالداخل, وهي الوسيلة الوحيدة لاحباط وافشال المشروع اليهودي الصهيوني اذا كنا نفتقر الى الخيارات الاخرى....

لم تعد ذكرى 15 ايار ذكرى حزينة باكية تدمع فيها العيون وترفع فيها الاعلام السود فوق الاكواخ والخيم..

بل هي مناسبة عتب وغضب على كل العرب ندق فيها على جدران الضمير العربي كي يستيقظ ويشفى من امراض الانعزالية القطرية المدمرة...0


Kawash.m@gmail.com
العرب اليوم.