الآخرون وعوامل تشكيل الهوية الوطنية
فالح الطويل
15-05-2010 04:45 AM
للكاتب الفلسطيني المعروف رشيد الخالدي كتاب مرجعي هام بعنوان « الهوية الفلسطينية» لا بد من قراءته للاطلاع على كثير من الحقائق الأصيلة، في موضوعه، التي بدون الاطلاع عليها لا تكون المواقف رشيدة، وتكون، في أحسن الأحوال، فائضة عن الحاجة.
أكد الخالدي في بعض صفحات الكتاب على واحدة من هذه الحقائق وهي أن بناء الهوية الوطنية والحفاظ عليها وتطويرها يحتاج إلى الآخر النقيض بما يخلق حاجة للدفاع عنها مرة بعد أخرى.
وفيما يتعلق بالهوية الفلسطينية، كان الآخر النقيض هو الصهيونية الإحلالية؛ والانتداب الإنكليزي المتعاون معها والانتهاء، ذات يوم، باحتلال الأرض وتشريد الفلسطينيين على مجموعات تعيش في ظروف بيئة سياسية واقتصادية وحقوقية مختلفة أشد الاختلاف بدءا من إسرائيل ومرورا بكل الدول العربية ودول العالم البعيدة.
ولقد تعرض الفلسطيني في بلاد الشتات والتحرك فيها وفيما بينها إلى إجراءات قاسية متنوعة أوجدت في ذهنه حالة من حالات القهر والقلق المتصل على المستوى الفردي والجماعي إلى حد أن الفلسطيني صار يعرف على مستوى اليقين ما يحدث لكل الفلسطينيين الآخرين حيثما عاشوا أو تحركوا.
وحدت هذه الحالة بينهم بحيث يمكن القول أن الهوية الفلسطينية تشكلت هناك حول قرار أصيل مشترك يستهدف الخروج بهم من هذا الوضع بتشكيل دولتهم الوطنية على أرضهم ككل شعوب العالم. بهذا المعنى كانت الهوية الفلسطينية هوية نضالية بامتياز.
الدولة الوحيدة الأخرى في العالم التي أخضعت شروط هوية أبنائها الوطنية لذات الطريق كانت المملكة الأردنية الهاشمية التي فتحت أبوابها للفلسطينيين، فصاروا فيها مواطنين بكامل حقوقهم المدنية والسياسية يمارسونها ريثما يستطيعون تحقيق طموحاتهم. فقد استهدفها كل الآخرين، فأصبحت هويتها هوية نضالية، بالضرورة، موازية للهوية الفلسطينية ولتحقيق نفس الأهداف.
فالآخرون بالنسبة للأردن كانوا كل الذين استهانوا به وبقدراته فظنوا أنهم قادرون على لوي ذراعه واستخدامه لتحقيق مآرب لهم على اختلاف طبيعة هذه المآرب واختلاف الآخر المعني.
تاريخ المملكة الأردنية الهاشمية منذ قيامها ليس سوى تاريخ هذا الصراع الذي ساهم في تصليب شروط الهوية الوطنية الأردنية وتنامي الوعي العام بها والإجماع على استكمال شروطها بالحفاظ على الأمن الوطني والتماسك الداخلي وبناء دولة مستقرة تقوم بواجبها الوطني والعربي والإنساني ومنها استعادة الحقوق السليبة لجزء هام من مواطنيها وللفلسطينيين الآخرين من غير الأردنيين.
فالهوية الوطنية الأردنية هي، إذن، هوية نضالية بطبيعة تشكلها التاريخي والتحديات التي خاضتها مع كل آخر مناقض. وهي في هذا لا تتناقض مع الهوية الفلسطينية، بل تقف إلى جانبها جبهة واحدة صلبة ولنفس الأهداف.
لذلك لا عجب أن تستهدفها إسرائيل وتحاول تفجيرها من الداخل بكل وسائلها، الظاهرة منها والخفية. فإسرائيل هي الآخر النقيض دائما، وهي تنطلق في سياساتها من حقيقة واضحة وهي أنها لن تتمكن من شيء ما بقي الجدار الأردني قائما يحول بينها وبين تحقيق أهدافها.
عن الراي.