هكذا عبر العالم الكندي آلان دونو عما يجري في العالم اليوم من مظاهر سيطرة نظام عالمي جديد على عقول الناس لتغيير نظام حياتهم بما يخدم نظام التفاهة العالمي الرأسمالي الذي يربط كل قيمة بل كل شيء بالاقتصاد فيسعى لتحصيل المال والربح.
هذا النظام الذي صرنا نشاهد نتاجاته على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى شاشات التلفزة وغيرها من صعود غريب لقواعد تتسم بالرداءة وغيّب الاداء الرفيع وهمّشت منظومات القيم وبرزت الأذواق المنحطة وأبعد الأكفاء.
وخطورة ذلك ان يتمدد نظام التفاهة في العالم وان تسود هذه الفئة من الناس على الأكفاء فتعلو التفاهة على الأدب والعلم والقيم والاخلاق التي هي من مقومات الانسانية فالانسان يقوم بها لا بالانحلال من اجل جمع اكبر عدد من المتابعين ومن ثم تحقيق ارباح كبيرة لا يحققها اكبر العلماء والادباء في العالم وتعرض هذه المواد التافهة للجمهور غالبا مجانا ولكن علينا ان نعلم ان كل سلعة ليس لها ثمن فانت ثمنها وانت رأس المال فيها وهذا ما يغيب عن الناس في مثل هذه الامور.
ولذلك نستطيع ان نقول ان هذا النظام يقوم على اربعة اسس وهي:
اولا: الانكار لكل الثوابت والمسلمات والقيم والاخلاق فكل شيء قابل للتشريح والتجريف والتحويل الى المتعة والتسلية فتجد ان هذا النظام التافه يدعم كل ما فيه خروج عن المألوف والمسلّم بحجة انها سبب تأخرنا عن الحضارة بل الخروج عن مسلمات الدين والعقيدة وكم سمعنا ورأينا في الآونة الأخيرة من هذه العينات التي تحاول ان تشكك الناس في كل شيء وهم لا يمتون الى العلم والمناهج العلمية بصلة.
فالتفاهة لا تكمن في العمل بل قد يكون عمل تلفزيوني او درامي فيه مجهود كبير او كتب تحتوي على مئات الصفحات ولكنها مجردة عن اي قيمة تضاف للمشاهد او السامع او القارىء.
ثانيا: زرع الرذيلة من اجل سوق الناس وايصالهم الى الانحلال ومن ثم تسليعهم اي جعل كل شيء قابل للبيع والشراء حتى التعليم والاخلاق والمبادئ فظهرت عندنا موجات التسطيح المعرفي وغياب العقل النقدي ووهم الكريزما والفن الرخيص فلا حدود للحريات وهذا ما حذر منه مونتسيكو : (من وجوب صون الحرية من الابتذال) بأن يترتب عليها ما ينقص من قيمة الانسانية لأن الحرية هي جوهر الانسان فلا يجوز ان تعود عليه بالعكس معنى ذلك انه لا بد من ضوابط لصيانة الحرية عن الابتذال.
ثالثا: اقامة المجتمعات على أساس الفردية والانانية فيفقد الناس تدريجيا اهتمامهم بالشأن العام وتقتصر همومهم على فردياتهم الصغيرة فاكبر همه المادة والربح او الشهرة والسمعة فلا قيمة للاسرة والقبيلة والروابط الاجتماعية الاخرى وهم بذلك يحاولون تفكيك المنظومة الاجتماعية من اجل تسهيل انفلات الفرد من هذه الروابط والتحرر من كل الضغوط الاجتماعية وتوابعها مما مهد للفرد ان يفعل ما يحلو له من غير رقيب فهذا الانفلات هو الذي جعل لنظام التفاهة ان يتمدد ويصل الى كل الافراد بل يتنافسون في التفاهة من غير النظر الى الثوابت المجتمعية والمبادئ الاخلاقية ولان الناس يميلون الى البساطة والراحة ويجدون في نظام التفاهة بغيتهم فيناسقون اليه بسهولة وسرعة لانه كما قال بعضهم: ( التّسفل أيسر من الترفع) اي النزول والانحطاط اسهل من الرقي والعلم.
رابعا: وبناء على ما مضى صار من السهل نشر الفوضى في كل مكان من اجل اضعاف هذه المجتمعات والاستيلاء على مقدراتها بحجة الاتيان لمساعدتها وانقاذها من الفوضى التي في الحقيقة هم اصلها عندما اسسوا ودعموا نظام التفاهة العالمي بل جعلوا صناعة المستقبل بيد هذه الرموز التافهة التي صنعوها ولا ابالغ ان قلت لكم أن ما تراه من التفاهة تستشري في كل شيء هذا ليس أمرًا عفويا بل ممنهج يقصد منه ضرب جذور الثوابت والمبادئ والاخلاق والتعليم في المجتمعات فتجد نفسك في وسط اجواء من البهرجة والابتذال وهذا كلها مؤشرات على غياب العقل والعلم وتقدم الصفاقة والتفاهة واننا بحاجة الى لفت الانتباه للفراغ الكبير الذي تركه غياب العقل مما سمح بتقدم هؤلاء التافهين.