جغرافيا لا ديمغرافيا ولا لـ "بدعة" المكونات!
شحاده أبو بقر
20-04-2021 02:36 PM
في زمن مضى كانت له ظروفه، إبتدعنا مصطلح الأصول والمنابت عند التعريف بشعبنا الأردني الواحد. لا أعرف من صاحب فكرة المصطلح آنذاك سامحه الله. اليوم هناك رسميون وكتاب وآخرون "يملون" علينا مصطلحا جديدا هو "المكونات"، عند التعريف بشعبنا.
لا أدري ما الحكمة السياسية في إجتراح هكذا مصطلحات من شأنها تقسيم شعبنا الأردني الواحد شيعا ومذاهب إجتماعية، في وقت نتحدث فيه في المقابل رسميا وشعبيا، عن وحدة وطنية هي رأسمالنا، وعن عائلة أردنية واحدة ليس بينها غريب ديار!.
الغريب أن بيننا من يصر على هذا الفرز الديمغرافي بين أعضاء العائلة الأردنية الواحدة، في وقت نرى ونراقب فيه كل يوم، حجم الخراب الذي أفرزه هكذا تقسيم مجتمعي في دول شقيقة وأخرى صديقة حول العالم!.
بين أيدينا في الجوار وما بعد الجوار، نماذج مرعبة مدمرة لفرز إجتماعي ومذهبي وديني وحتى سياسي، أوجدت شروخا كبرى بين الشعب الواحد في البلد الواحد تزاحما على المناصب والمكاسب ومن يحكم ولمن الغلبة ولا حول ولا قوة إلا بالله.
دينيا لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، ومن يتقي الله يفعل صالحا لمجتمعه ولوطنه ولا يفعل طالحا قط، وهذا هو معيار المواطنة الحقة الذي تنتجه الوطنية الحقة.
أزعم أنني كنت وفي حقبة التسعينيات أول من كتب ودعا للخلاص من مصطلح الأصول والمنابت في أدبياتنا السياسية والإجتماعية، والإستعاضة عنه بما هو أفضل، وهو تعبير "الشعب الأردني الواحد" بعيدا عن أية تصنيفات أخرى من شأنها أن تفرق لا أن تجمع.
اليوم أستغرب إصرار بعضنا نحن الأردنيين وكلنا مواطنون أردنيون في وطن واحد، على "حشو" مسمى المكونات مثلا في أذهان الجيل وأتساءل عن الحكمة من وراء ذلك، فلا أجد شيئا من حكمة أبدا.
مسميات ومصطلحات غريبة ومستغربة أيضا كهذه، لا مردود لها سوى غرس مفاهيم الإنقسام بين أوساط الشعب الواحد، وإذكاء نار التزاحم والشكوى والتذمر، تماما ومع فارق التشبيه طبعا، كما لو أن الأردنيين مختلفون على "تركة" كل يريد الحصة الأكبر منها!!.
أعتقد جازما أن المصالح العليا للوطن والعامة لشعبنا الواحد، تقتضي منا جميعا وفي سائر مستويات المسؤولية الكف عن مقاربة هكذا مسميات، على قاعدة أننا شعب واحد موحد. الأردن ليس قارة مترامية الأطراف متباينة المذاهب والأعراق. الأردن وطن قوامه عائلة كبيرة هي الشعب الأردني رجالا ونساء شيبا وشبابا وأطفالا وحسب.
دعونا نعتمد القسمة الجغرافية التي لا تفرق بين الجار وأخيه الجار في الدار وفي الوطن، ونبتعد بالمطلق عما هو دون ذلك. أي أردني وأيا كان مكان سكنه قرية مدينة مخيما بادية، هو أخي في المواطنة ويمثلني في أي موقع مسؤولية كان، وإلا فنحن نتحدث عن وحدة وطنية نحرص على سلامتها، ثم نفعل النقيض عندما نصنف شعبنا إلى مكونات ومنابت وأصول.
تقاسم المكتسبات التنموية وحتى السياسية يكون جغرافيا لا ديموغرفيا، بغض النظر عمن يقطن هنا أو هناك. وهذا التقاسم حق مشروع للجميع وتعمل به مختلف الديمقراطيات في هذا العالم، ما دام الشعب واحدا موحدا.
وهكذا مكتسبات تحكم تقاسمها ديمقراطيا، عوامل عدة، منها تعداد السكان والحاجة للتنمية والخدمات ثم المساحة الكلية لأرض الإقليم أو المقاطعة أو المحافظة مثلا. هذه يمكن معالجتها بعدالة في إطار مشروع وطني كبير للإصلاح الشامل على قاعدة أننا وجميعا، شعب واحد ولاؤه للوطن وللعرش الهاشمي وهو منذور للدفاع عن الوطن، فكما الأوطان لا تجزأ، فالولاء أيضا لا يجزأ.
إجتهادي يقول.. لا للأصول والمنابت والمكونات، نعم للشعب الواحد، والفضل بعد فضل الله خالقنا وجاعلنا شعوبا وقبائل فقط كي نتعارف، هو لمن يبدع في العطاء والإخلاص والتضحية من أجل الوطن.
كل مجتهد في ترديد نغمة "مكونات" مطالب بأن يفكر جيدا في ما يقول، وسيرى أن ذلك يفرق ولا يجمع. نحن نريد وبقوة أن نجمع، ونرفض وبقوة كذلك الفرقة ودعاتها إن وجدوا وأيا كانوا.
والله خالقنا جميعا من وراء قصدي..