إنه الوقت المناسب الذي يرسم المواطن الأردني صورة الانسان الواعي المدرك والقادر على فهم الأمور والتمييز بين الغث من السمين، انه الوقت الذي نعرف فيه كيف ينظر الاخرون الينا، وما هي الصورة التي نحن عليها، فرغم تناسي البعض للزمان واحداثه والمكان وتحدياته ما زال البعض يفتعل النسيان والتناسي معتقدا انه بمجموعة اقاويل وتخريفات او معلومات غير اكيدة اشبه بالاشاعات والاختلاقات الإعلامية وقولبة وتنميط يستطيع تحقيق حاجاته ورغباته الشخصية على حساب شعب كافح ونظام دولة صبر وقيادة طالما وعبر مئوية من السنين اوفت بالعقد الفريد ما بينها وبين الشعب باصوله ومنابته وبعشائره وباديته، بمخيماته ومدنه وقراه.
ما عايشناه من احداث قريبة حاول البعض بجهالة الانقضاض على هذا الوطن اما حسدا او تصفية حساب، او شعورا بالهيمنة والسيطرة على القرار السياسي العربي، مستغلين واقع المملكة التي تشهد تحديات وصعوبات فرضها واقع الإقليم السياسي واطماع اشبال السياسة من جهة وتلاعب إسرائيل بدول المنطقة، وطمعها بابتلاع فلسطين وطرد الفلسطينيين وانهاء دولة الأردن معتقدين ان التخلص من النظام الأردني يعني انهاء الأردن، فإسرائيل لن تقبل حدودها الحالية مع توسع النفوذ الإيراني والعراقي والسوري، فهي تطمع بتوسيع حدودها لتشمل الأردن الى الحدود السعودية والعراقية والسورية.
ونعود بالذاكرة الى عام 67 وبعد انتهاء حرب الأيام الستة وفي طبريا بالذات وقفت جولدمائير رئيسة الوزراء الإسرائيلي آنذاك وبجانبها موشي ديان وزير الدفاع ينتشون كأس النصر اذا توجهت مائير الى الجنوب وقالت اني اشتم رائحة اجداجي في خيبر، وهي استراتجية يسلكها اليهود ضمن مخططهم في السيطرة على المنطقة. فالمسئلة طمع اسرائل بعيد المدى في تحقيق حلمها، وباي وسيلة او طريقة كانت..
ما تسعى اليه إسرائيل هو حلمها بتحييد الدين فخلقت وامريكيا داعش لتشوه صورة الإسلام وتجمع العالم ضده. وانهاء فكرة القومية او مجرد التفكير بها من خلال محاربة كل مشاريعها فانهت العراق وسوريا وليبيا باسم الربيع العربي، وبعثرت الدول العربية الى مرحلة التآمر والتدخل المباشر، وساهمت بتنمية وتغذية فكرة المؤامرة بين الأقطار العربية ودفعها نحو الواقع المحتوم من الاتهام والصدام والخصام كما حصل مع الأردن بالضبط باعتبار الأردن هو العقبة الأكثر تأثيرا امام أطماع واحلام إسرائيل وسلوك الأردن العنيد تجاه التنازل عن القدس ودعم القضية الفلسطينية والفلسطينيين.
حديثو السياسة في الإقليم العربي الذين يصدقون كل الوعود واللوحات المزيفة من بعض إدارات أمريكيا المأسورة لإسرائيل، كما حصل في إدارة ترامب وتارة من الوعود البراقة الإسرائيلية التي تضع ايران شماعة تتسلق من خلالها للوصول لاطماعها، فهل فكرنا ان نجلس مع ايران بدل ان نجلس مع إسرائيل ونتحدث بلغة العقل والمنطق والمصالح خاصة وان الخيارات متاحة، وهل أمريكيا التي تحرص على الدول النفطية وعلى دول السياسة المعتدلة في المنطقة ستسمح لإيران ان تخطوا ولو خطوة باتجاه الخليج. المسألة ليست ايران وليس الحوثيون وليس الأردن، وليس الخليج، بل تكمن في مصالحها في المنطقة ؟ وماذا تريد أمريكيا وما هو الدور المرسوم لكل دولة، أمريكيا بالأمس ضد ايران واليوم تفتح ذراعها لإيران، فلماذا لا تدق إسرائيل الاجراس، الم نسمع عن طلب البيت الأبيض من إسرائيل وقف الثرثرة المتعلقة بالمفاوظات الإيرانية الامريكية باعتبار ذلك تدخلا في شؤون أمريكيا، الم توبخ أمريكيا نتنياهو على ما فعله تجاه الأوضاع في الأردن وهي المدركة لطبيعة التفكير الإسرائيلي وامتدادها لتضغط به على الامريكان.
الامريكان يدركون تماما ماذا تريد إسرائيل ولا تريد من احد منافستها على هذه المنطقة، او ان يلوى ذراعها، كما تفكر إسرائيل، وامريكيا مدركة تماما ان ما حدث بالأردن ومحاولة زعزعة النظام فيه وخلق فتنة تعيد الأردن الى المربع الأول هو خطوة تطبيقية لاطماع إسرائيل في المنطقة.
نحن في الاردن واعون لتفكير نتنياهو واطماعه، ومدركون ان تفويت الفرصة على تحقيق مطامعه هي بمعالجة مشكلاتنا والتفاهم فيما بيننا وتسوية الأمور.
وكما هو الحال على الصعيد المحلي فان التعامل مع الاشقاء العرب لا بد وان يكون بنفس الطريقة، فرغم ان الجرح مؤلم وعميق وان تلقي الخنجر المسمون ممن تعتقد انهم الأقرب والأكثر تفاعلا لحقيقة موقفنا من القضية الفلسطينية والثمن الذي ندفعه وعلى حساب حياة الناس وقوت الناس من اجل للقدس والمقدسات في القدس ومن اجل حقوق الفلسطينيين المعذبون والمشردون في الأرض. ان تأتيك الطعنة ممن نتوقع انهم شركاء في حمل مسؤولية الامة في زمن التردي، والمحافظة على الاخوة والتلاحم والترابط في زمن التكتلات والائتلافات والتجمعات الدولية، وممن تتوقع الامة انهم الاحرص على جمع الكلمة وتوحيد الامة وتبني تطويرها وانعاشها وتقويتها لتشكيل قوة عربية تواجه تحدياتها وتردع خصومها لامر جلل وحدث مؤلم، قدمناه لإسرائيل الطامعة ولايران الحالمة بشرق أوسط جديد بعيدا عن العرب وامة الجهل كما يدعون. قدمناه بلا ثمن وهدية.
كفا مهاترات وكفا النفخ بنار الفتنة، وكفى كذب وادعاءات ايتها الابواق الناعقة، فحب الأوطان يكمن بالدعوة بتجاوز الجراح وعودة اللحمة ودفع الشعوب الى الصبر والوعي والادراك وليس بالتحريض واشعال التفرقة والفتنة والنفور بين الاشقاء الذين تجمعهم المواقف والأزمات عبر هذه العقود العديدة، فنحن سنبقى امة عربية وستبقى وشائج التلاحم ووحدة الهدف والمصير هي الأساس، وان هذه السحابة التي اغمضت عيون البعض عن الحقيقة انما ستنجلي وسيكتشف الجميع بان المس او المساس في خدر أي دولة عربية سيكون وبالها على الجميع فالاردن هو خط دفاع عن العرب، وهو حمى يقف دائما مع امته وساهم ابناءه في بناء المجتمع العربي مع اشقاء عرب آخرين، ودفع ثمنا غاليا من أرواح أبنائه وموازناتنا في حروبنا ضد إسرائيل ودفاعا عن ارض العرب.
كفو يا أصحاب الفيدوهات عن النعيق فقد كثر المعلقون، وتعدد المغردون، وظهر الناعقون ليجدوا مادة يكذبون بها ويتخيلون بها وينفثون احقادهم وسمومهم التي لا تخيل لا الشعب الأردني ولا العربي وخاصة في الخليج.
المسألة صعبة ولكنها ليست مستحيلة والحلول آتية لا محال ومن يراقب عن كثب ويحلل بالمنطق والوعي فانه يجد ان العقلاء الحكماء العرب يدركون حجم المخاطرة والمراهقة التي تمت، ولا بد من احتوائها لان النتائج اشد مرارة لا تعود على الأردن فقط بل وعلى معظم الدول العربية.
وها هو الأردن مرة أخرى يؤكد على كرامته وهيبته وصدق شعوره تجاه العرب، فهو لا يبع الكرامة ولا يشتري مؤامرة او ان يعمل ضد أي دولة واي نظام بل يحرص على ذلك بكل امكانياته، ها هو يرفض بيع مواقفه رغم كل المليارات والوعود بالعيش الرغيد بل كل هذه الاغراءات لا تساوي لحظة احترام وتقدير واخوة صادقة وحرص الأخ على أخيه العربي.