يشكّل الإصلاح الحقيقي بتنميته ونموه البنية التحتية اللازمة للنهضة والتي ما زال العرب يحلمون بها ليلا نهارا لإحياء وإيقاظ مشروعهم النهضوي «القديم الحديث» من جديد بعد ان راح في سبات عميق..
فكلمة النهضة مشتقة من الفعل نهض نهوضا فهو ناهض: هبَّ معتدلا وتحرّك مسرعا للاستجابة لأمر ما..ومنها يأتي استعمال نهض بالمسؤولية: تحّملها كاملة وأدّاها
ونهض للمسجد: قام وتحرّك اليه مسرعا.. ونهض الولد: قام في نشاط وخفة.. نهض البلد: انتعش.. شباب ناهض: نشيط
هذا من جهة..
مدركين من الجهة الأخرى الفرق بين اليقظة والنهضة فعندما نقول استيقظ الشخص: صحا وفاق من نومه..
استيقظ الشخص للأمر: تيقّظ وتنبه من غفلته: استيقظ من غفلته...
ولهذا فمشروعنا النهضوي يحتاج أولا إلى «اليقظة"/ نستيقظ أولا/ من سباتنا ثم «ننهض» و"نقف» متوجهين نحو اهدافنا متابعين إعمال العقل وفق استراتيجيات يتم متابعتها وتقييمها بين الحين والآخر، من خلال توجه يغلّب المصلحة العامة على الخاصة مركزين على «الغيْرية» نابذين «الأنانية» فلا نهضة بدون يقظة.
«وهنا مربط الفرس»
نذكر بالمناسبة توجّهَ الملك عبد الله الثاني بخطابه بتاريخ 8 كانون الثاني 2018: (إنني قدّمت أكثر من ورقة نقاشية لشعبي، ولكنني لا أرى أن هناك تطبيقا كافيا من قبل المؤسسات المختلفة)
صدق جلالته فهنالك تعثر واضح بالتطبيق نتيجة تغليب الخاص على العام وعدم انعكاس الأفكار على ارض الواقع..
وهذا يؤكد على وجود حلقة مفقودة بين القول والفعل لغياب عنصريْ الكفاءة والالتزام» اللذيْن يشكلّان ركيزة ايّ عمل متقَن يصنع الإنجاز الحقيقي..
إذْ يستحيل تغيير النهج بغياب عنصري الكفاءة والإلتزام المؤطّريْن بالإنتماء والولاء، ومما يزيد الطين بلّة وجود تيار يطالب بإصلاح الآخر دون ان يُصلِح نفسه وهذه معضلة العالم العربي التي يفاقمها تهميش للمحاسبة والشفافيّة..
فكم نسمع أصواتا تطالب بقلب الموازين من اجل تثبيت المعايير ولسان حالهم يقول: «ان لم تخرب لن تعمر»..
ايُّ منطق هذا بعد أن شاهدنا أمثلة حية لبلدان عربية تآكلت بعد «تدفق الربيع العربي» الشبابي المنطلق من رحم الفضاءات الإلكترونية محتلا الساحات معسكرا بالشوارع رافعا شعارات الإصلاح الطافحة بالشغف والحماسة والتي سرعان ما تجمّدت بعد اصطدامها بموجة عكسية/موجه القوى المتصيّدة بالماء العكر/..
فغرقت بلاد الربيع العربي بدماء العباد متقهقرة حضاريا ونهضويا نتيجة دمار قسّمها وقلاقل استنزفتْها لحد الآن.
فسوريا مثلا مضى على ربيعها أكثر من عشر سنوات وما زالت تقبع بالدمار والفقر والبطالة والهجرة تتابعت تداعياتها من مجرّد مظاهرَة صغيرة بدأَتْ في «درعا» وتفرّعتْ لتُفتحَ بعدها بواباتُ جحيم تلتهم نيرانها كل عناصرها الطيّبة من خِصْب وطِّيب وحنّاء.. لتصبح سوريا بغوطتها وسهل حورانها مهددة بالمجاعة بسبب خلط الأوراق.. وشقلبة الأدوار.
ولهذا ما أحوجنا يا «إخوتي وأخواتي وأبنائي وبناتي» إلى التسلّح بوعي يجنبنا الوقوع بمطب الفرقة والافتراق والشرذمة والإنقسام.. مطبّ من صنع قُوى: «فرِّقْ تَسُدْ».
(الرأي)