حسن المومني وقصة البناء المخالف
د. محمود عبابنة
19-04-2021 01:28 PM
كثيرون هم الأحباء والاصدقاء من رجالات الوطن يرحلون يوماً بعد يوم، نتذكرهم ونترحم عليهم، لكن بعضهم يبقى عالقاً في الذاكرة لموقف ما او لبعض السجايا التي ميزته عن غيره، قبل ايام رحل الى بارئه الوزير وعضو المجلس الوطني الاستشاري ورئيس بلدية اربد سابقاً حسن المومني (ابو ايمن)، ولقد عرفت الرجل عن قرب ودعاني الى منزله قبل سنوات، ودعوته وابنائه الى منزل اهلي في اربد، وأذكر أننا ذهبنا لتعزية والد احد القضاة سوياً، وبقيت هذه العلاقة معه ومع ابنائه الطيبين وبالذات مع ابنه بلال والقاضي النجيب نضال.
لا اريد بهذه الخاطرة ان أقدم مجاملةً لأبنائه الاصدقاء، ولكن رئيس بلدية اربد حسن المومني له قصة تبعث على الفخار في اربد، ويجب أن نستذكرها للتأكيد على أن هناك شذرات مضيئة ومعبرة في بلدنا، فالمرحوم واثناء تسلمه عمدة المدينة ربما كان اول من جذّر وخطّ مفهوم تأكيد المؤسسية واحترام القانون، ففي عام 1979/1980 كان يعمل رئيساً لبلدية اربد وشاعَ في المدينة أن البلدية بصدد تنظيم البناء في شارع الحصن الرابط بين قلب المدينة وبلدة الحصن، والذي كان بمثابة البوابة لكل الزائرين الى مدينة اربد، وأن النية تتجه لتحويل الشارع الى شارع الاقواس بمعنى أن يتراجع بناء المخازن التجارية بضعة أمتار عن الرصيف وأن يتم بناء الأقواس الحجرية البيضاء لإضفاء لمسة جمالية للشارع ولتسهيل حركة المارّة، إلا أن أحد سكان المدينة الذي كان ينتمي الى عائلة عريقة ومحترمة من عائلات اربد قرر أن يخالف هذا التوجه وقام بالبناء ليلاً وخلال ايام العطلة الاسبوعية، وتفاجأت بلدية اربد والمدينة صبيحة ذات يوم بأن البناء قد اصبح قائماً دون ترك مسافة للأقواس الحجرية وعلى اساس فرض الأمر الواقع، فما كان من حسن المومني رئيس بلديتها في ذلك الحين إلا أن يقوم وعلى مرأى من الناس بتحريك جرافة البلدية وربما كانت الوحيدة للانتقال الى موقع البناء المخالف وهدم أعمدته المخالفة وتحرير المخالفة، رغم احتجاج اصحاب البناء وعلوّ صوتهم، وراهن الناس انهم سيعيدون البناء المخالف، إلا أن ذلك لم يحصل وتم الالتزام بالقانون، واستمر عميد المدينة حسن المومني مواظباً على فرض هيبة القانون والنظام وهكذا نجا شارع الحصن "سليماً من الأذى وحظه موفورٌ وعُرضه صيّن"، والذي نسميه الآن شارع الأقواس ونتنعم بجماليته وحُسن السهر على تنفيذه، ولم يتجرأ اي شخص آخر بعد هذه الحادثة على المغامرة ببناء مخالف لا في الشارع المذكور ولا في غيره في السنوات التي استمر بها المرحوم عميداً للمدينة.
نستذكر هذه الحادثة ويغمرنا شعورٌ يمور بالحنين الى ايام رجال الدولة الدولة والمسؤولين الذين تركوا بصماتٍ لا تُنسى جسدت اخلاص المسؤول وشجاعته وعمق انتمائه للصالح العام، هكذا كان رحمهُ الله حسن المومني جريئاً ومقداماً في حديثه عند تسليط الضوء على ما يخص الشأن العام وهكذا استمر خلال عضويته في المجلس الوطني الاستشاري وعندما أصبح وزيراً للبلديات.
تولى منصب عمدة المدينة في اربد الكثيرون، وبعضهم اعطى ويعطي وبعضهم لفهُ رداء النسيان، الا أن حادثة البناء المخالف وطريقة معالجتها ترسخت في تاريخ المدينة وفي أحاديث كبار السن الذين عاصروها وهم يتندرون على مسؤولي هذه الايام على طول وعرض وطننا الحبيب الذين يجتمعون ويتشاورون لتقرير تزفيت دخلة لمنزل متنفذ او نقل حاوية من زاوية شارع الى زاوية شارع آخر،
رحم الله حسن المومني ذلك الاداريّ الشجاع صاحب الموقف والكلمة ورزق بلدنا العشرات من أمثاله.