في أيام السفر والغربة كانت روحي تتوق لحنايا شوارع وأزقة الأردن واشتاق لذكرها وحكايا القادمين منها حيث كانت ألسنتهم لا تكف عن وصف كل جديد فيها... فبلادي كانت وستبقى الشاهد الأمين على مرور الأنبياء، وتسامح الديانات، وهي البوصلة التي تهفو لها كل قلوب الأردنين أينما كانوا وترتاح بها أنفسهم، حيث تحلق دوماً الأرواح المسكونة بحبها كالسحب في سمائها الطيبة.
الأنس والألفة الموجودة داخل بلادنا تعتبر مطعوماً قوياً يسري في وريد الحياة بداخلنا، الأمر الذي يفتقده كل من هم في الغربة، حيث يعانون من وحشة المكان الذي يعتبر جرعة من الخيبة تفتك بقلب الحياة... فما أقسى أن تشعر أن روحك غريبة تائهة لا تجد لها مكاناً تستقر فيه أتعبتها الأيام وأنهكتها السنون، فليس لها عنوان واضح تعرف به أو مكان تطمئن إليه وتستقر فيه... عائمة على الوجه أضعف موجة كفيلة بأن تحطمها وتقتل فيها الإحساس بالأمان والحياة!.
فكيف يسلو المرء موطن الأجداد؟!!.. أرض البيادر، وملتقى الأحبة والسهر المعتق الذي باح بلسان أبناء الأردن شجناً جميلاً ينهمر في الغربة، ليعبر كل الحدود على متن رحلة الأحاسيس والذكريات، فيصل بنا الى حيث البلد الأجمل والمكان الساحر الأطياف الذي تستقر به أرواحنا وتهدأ... فكلما بعد الزمان والمكان بنا فاح منها عطر الغلا وأريج كل المحبين الذين انطلقوا من الأردن نحو العالم، فأبدعوا من عناصرها الجمالية الخلاقة قصصاً وروائع أدبية وفنية خالدة!!.
الغربة عامة أحساس صعب جداً على أي نفس بشرية، فالإنسان يحب ان يتآلف مع من حوله، فهو إجتماعي بطبعه... فالغربة أو الإغتراب عن الوطن هي بمثابة إقتلاع المرء من جذوره ومحيطه الى بيئة أخرى بعيدة أو قريبة... بعيداً عن موطنه الأصلي وملعب طفولته وذكرياته، أنها تجربة وامتحان صعب ينتج عنه أبعاد مباشرة وغير مباشرة، بما لها من انعكاسات وتأثيرات عميقة على الروح والجسد والفكر.
دروب الحياة ومسالكها العديدة تعلمنا كل يوم شيئاً جديداً، وكذلك حكايا الغربة المغلفة بالقسوة في بعض الأحيان، قد علمتني الكثير الكثير... فقد علمتني بأننا نملك أشياء كثيرة رائعة داخل بلدنا لكننا لا ندرك قيمتها الحقيقية والغالية إلا عندما نفتقدها في غربتنا... كما وعلمتني أن حياة بسيطة هانئة فوق ترابك يا أردن أفضل ألف مرة من حياة مترفة فارغة خارجة... وبأن عزة أي فرد منا سواء كان داخل البلد أو خارجه تكمن في عزة وطننا الأغلى!!.
Diana-nimri@hotmail.com
الراي.