كشفت الأزمة الأخيرة في البلاد عن أمرين أساسيين: الأول، أن الأردن بحاجة إلى مشروع إصلاح واسع، وهيكلة لدور المؤسسات، تتولاه السلطة التنفيذية ممثلة بالحكومة، وتشرف عليه بشكل مباشر مؤسسة العرش.. كل نقطة تحول مفصلي في تاريخ المملكة بدأت من تلك المؤسسة، وفي أحيان كثيرة كان لغياب المتابعة أثر سلبي على مصير المبادرات الإصلاحية.
بالنتيجة استفحلت المشكلات وتعقدت، وخسرنا فرصا ثمينة، كان لإهدارها ثمن باهظ على مصداقية الدولة، وواقع القطاعات على اختلافها.
المقاربة السياسية التي حكمت تشكيل المؤسسات التشريعية والتنفيذية مؤخرا، لم تترك أثرا يذكر على مستوى العلاقة بين الدولة والقوى الاجتماعية. لقد بدا جليا أن سياسة استرضاء فئات ومكونات، على حساب أخرى، ارتد عكسا على الدولة، كما ثبت بالدليل القاطع أن هذه السياسة لم تعد تجدي في كسب الولاء، وصار لازما التفكير بمشروع جديد كليا.
أولى الخطوات التي ينبغي اتخاذها على هذا الصعيد، إظهار القيادة الحاسمة لمسار جديد، والإرادة الكافية لتغيير الوضع القائم، والانفتاح على جميع القوى الفاعلة دون استثناء أو إقصاء.
لقد كان جوهر المسألة في الأيام الماضية، تكريس القيم الدستورية وثوابتها كأساس لبقاء واستمرار دولتنا، وقد حان الوقت لإعادة الاعتبار لهذه القيم وفق تصور يخدم مصالح الشعب والعرش، ويصون العلاقة التاريخية بينهما، وعدم السماح لأي طرف كان بمس الدستور أو التقليل من شأنه.
ثانيا، أكدت الأزمة بكل مساراتها أن لا بديل عن التسويات في هذه المرحلة لضمان الانتقال السريع لمرحلة التجديد والإصلاح. تسويات على مستوى القمة وأخرى على المستويات الشعبية، حتى لا يبدو التغيير انقلابا على النهج، بل عملية متدرجة ومدروسة.
لا ينبغي وتحت أي ظرف التسامح مع محاولات كسر الدستور أو تطويعه لخدمة مآرب شخصية، لكن ذلك ينبغي أن يخضع التقدير فيه لحسابات سياسية تضمن تحقيق الهدف دون التأسيس لقطع تاريخي مع التكوينات الاجتماعية الوطنية، وضمان عدم المس بالوحدة الوطنية أو تعريضها لاختبار في وقت لم نتمكن فيه بعد من تقديم مشروع متكامل لصيانة هذه الوحدة وتجديد أدواتها وآلياتها. إن دولة القانون لا تتعارض مع قيم التسامح التي تأسست عليها المملكة، وصانت استقرارها وأمنها في مراحل تاريخية خطرة.
في الأيام الماضية أظهر الأردنيون حرصا على الاستقرار والأمن، أكثر من الرغبة في الانتقام، وعبر الأغلبية عن طموحهم بالإصلاح لقطع الطريق مستقبلا على محاولات التهديد لكيانهم وممتلكاتهم. وأهم ما خرجنا به من دروس، أن الإجماع على مؤسسة العرش وثوابت الدستور، هي مسألة لا تقبل الرهان عند الأردنيين، وأن عملية الإصلاح لن يكتب لها النجاح إذا لم تكن بقيادة الملك. والرابح من العملية الشعب والعرش بما يشكلان من قيمة دستورية واحدة لا تتجزأ.
الغد