هذا وصفُ الناس حين يصير شغلهم الشاغل ماذا يلبس فلان، وعلى أي جنبٍ ينام!
زمان كان الفضول بسيطاً؛ كم تَكلَّف عرس فلان، ولماذا فلانة لا تنجب، ومن الذي زار جيراننا أمس وسهر عندهم حتى الواحدة ليلاً. وبالأمارة كانت سيارته خضراء.
لكن الفضول هذه الأيام مختلفٌ، وخطير، وله حدّان ماضيان كشفرة الحلاقة القديمة.
هذا حال الأردنيين الآن: يتفشَّشون.
وتبعاً لحالة الصائم، وضيق خلقه، وسرعة غضبه، فهم سيتفشَّشون أكثر هذا الشهر. وهذا واضح طبعاً في أزمة السير غير المسبوقة، وفي التزاحم و”جَحرة العين” عند رفوف المولات قبل ساعة الحظر!
وكنتُ سأضعُ كلمة يتفشَّشون بين قوسين، ظنّاً منّي أنها من عامّة الكلام وضعيفة، لا سند لها في اللغة. وأنها مجرد كلمة مرتجلة، مؤلَّفة، من حواديث وسهرات أجدادنا. لكنّني وجدتُ كلمة يتفشَّش عربية صحيحة ولها الكثير من المعاني.
وقد اتفقت المعاجم كلها على أكثر معانيها، وجاء في مقدمة ذلك أن الفشش هو التنفيس. وأن “الفشيش” هو صوت الهواء يخرجُ من القِربة!
ففي “معجم اللغة العربية المعاصرة” فشّ الورم: زال، خف وهبط. وفشَّ الإناء ونحوه: أخرج ما فيه من هواء وماء. فش خلقه في فلان: أنزل فيه غائلة غضبه المُسبّب من غيره. وفش القفل: فتحه بغير مفتاح.
وانفشت الكرة: خرج ما فيها من هواء. والـ”فشوش” هو ما لا طائل منه من الكلام. وعلى فشوش: انتهى إلى لا شيء.
و”فشيش” هو صوت الهواء عند خروجه من القِربة أو الكرة أو غيرهما.
وفي معجم “الصحاح في اللغة” يقال للغضبان: لأفُشَنّك فشَّ الوطب، أي لأخرجنَّ غضبك من رأسك. وانفشَّ الجُرح: سكَن وَرَمُه.
أما في معجم “تاج العروس” فـ”الفَشُوشُ” هو الرَّجُلُ يَفْتَخِرُ بالبَاطِلِ. كما يُقَالُ “فشاش” للرَّجُلِ إِذا غَضِبَ فلم يَقْدِرْ على التّغْيِير.
وفي “مختار الصحاح”، يقال فَشَّ الزق أي أخرج ما فيه من الريح.
وفي معجم “لسان العرب”، فالفَشُّ هو الحلْبُ، وقيل الحلْبُ السريعُ وفَشّ الناقةَ يَفُشُّها فشّاً أَسْرع حَلْبَها وفَشّ الضرعَ فَشّاً حلَب جميعَ ما فيه. والانْفِشاش الانكسار عن الشيء والفَشل. وانْفَشَّ الرجل عن الأَمر أَي فَتَر وكَسِل، وانْفَشَّ الجُرْح سكَن ورَمُه وفَشَّ القومُ يَفِشُّون فُشوشاً أَحْيَوا بعد هُزال وأَفَشُّوا انطلقوا فجَفَلوا.
أما في معجم “الوسيط”، فـ”الفَشّاشُ” هو من يحتال لفتح الأغلاق (أي الأقفال) بغير مفاتيحها. وصَوتُ الرّيح حين تُخْرجها من قربةٍ أو نحوها. ويقال فَشفَشَ أي ضَعُفَ رأيُه. كما يقال الفَشْفَاشُ للكساء غير مُحكَمِ النسج رقيق الغزل. ويقال: سَيفٌ فَشْفَاش: للسيف الذي لم يُحْكَم صُنْعُه.
وفي (المعجم الغني)، يقال سَقَطَ فِي الفَشِّ: فِي مُسْتَنْقَعِ الْمَاءِ. كما يقال فَشَّ الرَّجُلُ: نَفَخَ نَفْخاً خَفِيفاً. فَشَّ الضَّيْفُ: تَجَشَّأَ. فَشَّ الوَرَمُ: خَفَّ، هَبَطَ. فَشَّ الكُرَةَ: أَخْرَجَ مَا فِيهَا مِنْ هَوَاءٍ. فَشَّ القِرْبَةَ: أَخْرَجَ مَا فِيهَا مِنْ مَاءٍ. فَشَّ غَلِيلَهُ: نَفَّسَ مِنْ غَضَبِهِ. اِنْفَشَّ الجُرْحُ: زالَ وَرَمُهُ. اِنْفَشَّتْ عِلَّةُ الرَّجُلِ: زالَتْ. وفَشِيشُ الْحَيَّةِ: صَوْتُ جِلْدِهَا.
لذلك، وبعد مراجعة هذه المعاني، يبدو أن من مصلحة “جميع الأطراف” أن يتفشَّش “الأردنيون”!
(الغد)