امتحانات «النخب» وحساباتها ايضا
حسين الرواشدة
13-05-2010 05:56 AM
تحتاج الدولة ، اية دولة ، في لحظة ما من مراحلها المفصلية الى "نخبها" ورموزها الوطنية ، لكي يساهموا في ضبط ايقاع ما يجري من سجالات ، او في اقناع الناس بما لديهم من تصورات ، او في "الانتصار" لمنطق الدولة اذا ما تعرض لتشويه من هنا او تجريح من هناك.
هذه "النخب" متى كان موثوقا بها ، تشكل "رصيدا" للدولة ، ومخزونا يتوجب الحفاظ عليه او عدم المساس به او السماح بتشويهه ، او اخضاعه لمعايير "المزاجية" او المقررات القصيرة النظر ، التي تُصدر احكامها بناء على اضطرارات اللحظة لا خيارات المستقبل المفتوح عل كل الاحتمالات.
في الامتحانات التي تتعرض لها الاوطان تبرز قيمة "الرموز" والنخب الحقيقية ، وتتمايز عن غيرها من "النخب" المغشوشة ، وتفرض حضورها وايقاعها على عقول الناس ووجدانهم ، مع انها لا تملك الا "سلطة" الاقناع والموثوقية والصدقية ، ولا تتحرك في دائرة "المقررات" وانما في دائرة "الخيارات" ، ولا تلوّح بسيف المعزّ او ذهبه ، ولكن بما حازته من احترام الناس لها ، وتقديرهم لمواقفها وتجربتها ، واحساسهم بأنها لا تبحث عن مغنم او حصة من الكعكة ، ولا تعبّر الا عن المصلحة العامة المنزهة عن الاهواء ، ولا تبيع مواقفها في "بازارات" السياسة او "موالد" العزاء.
في امتحان الانتصار لمنطق الدولة ، والمصلحة العامة ، والوحدة الوطنية ، وكل القيم والقضايا الكبرى التي تشغل الناس ، ثمة من ينجح وثمة من يسقط ، ثمة من يتقدم ومن يتأخر ، من تتثاقل به الحسابات الى الارض ومن يحلّق في فضاء الواجب ، من يراهن على اللحظة وانكساراتها وتحولاتها ، ومن يراهن على "البلد" ومستقبله وحتمية صموده ، من يحركه الايمان "بالقيمة" والفكرة والهدف الاعلى ، ومن تحركه النوازع الشخصية والاعتبارات الضيقة ، وهواجس الخوف والتردد.
في هذه الحالة تصغي الدولة لصوت الضمير الذي ينطلق واضحا من حناجر "نخبها" الحقيقية ، وقلوب "رموزها" الذين تجاوزوا كل الصغائر ، ويحتشد الناس -بوعيهم - حول صواب الفكرة والموقف ، فتتبدد امامهم غيوم المرحلة ، وينكشف الغبار ، فاذا بالصورة -كما يرونها - مشرقة واضحة ، لا رتوش تعلوها ولا شقوق.
النخب في العادة تقدم اوراق اعتمادها للناس بلا واسطة ، ثمة من يحظى بالقبول وثمة من يُردّ بلا سؤال ، واذا كانت كل "ماكينات" الانتاج والتلميع لا يمكن ان تصنع "بطلا" فانها -ايضا - لا يمكن ان تفتح "لواقط" الناس لتسمع لأحد لا يحظى بثقتها ، او لم يخرج من رحم "شيفرتها" ، المحصنة من العبث والاختراق.
في الوقت الصعب ، يفزع الناس الى "ملاذات" النخب الآمنة ، ويحبثون عن "اتجاه" البوصلة في مواقفهم ، ويطمئنون الى طريق السلامة الذي يحددونه ، ويدركون -تماما - من يختارون ولماذا وكيف؟ ولأي خطاب ينحازون؟ وبمن يثقون؟
دعونا -اذن - نستثمر في هذه "النخب" في بلداننا الصغيرة ، وفي مجتمعنا ايضا ، في حوادث العنف او في "عنف" السجالات ، عند ترقي خطابنا العام او عند تراجعه ، في قضايا الداخل او الخارج.. ودعونا نقول للذين نجحوا في الامتحان: شكرا.. ولغيرهم: حظا اوفر،.
الدستور