للخبيزة في عيرا لون اخر ..
أحمد سلامة
14-04-2021 05:52 PM
منذ اربعين سنة لم احضر جنازة عزيز في عيرا الا وكان (بكر) اول المرحبين..
خلا هذا اليوم الحزين، ودعنا بكر في عيرا، من حول مثواه كانت الخبيزة خضراء تجلل القبور المجاورة....
ليس الموت في عيرا مثل اي موت في الاردن فهاتيك السفوح تنبت كل يوم فيها الف فضيلة وتغني ذاكرتها في كل متر الف حكاية
قلت لحبيبي ممدوح....
بعد ان سدت الطريق على سيارة عبدالوهاب زغيلات وسيارة عماد دعنا نسير في شوارعها نخطو على ايقاع ما كان يحب فقيدنا ان يفعل..
وانحدرنا من المقبرة في اعلى الجبل وهذه ميزة لـ عيرا افرغ اهلوها لموتاهم قمة السفح حتى يرى الاموات كل شيء انحدرنا الى الوادي صعودا صوب الجامع كانت الدنا خضراء في كل محاصيل الموسم البصل يتفجر خضرة والبزيلاء تلمع ناضرة والفول يتهادى بموسيقى فاتنة...
كل الابواب موصدة وعيرا في كل عتبة تستقبلك اية قرانية ما كذب الفؤاد... للحزن نبل تشتمه من صمت المقبرة وصمت الشارع واذان المساجد ليس مثل الحزن فطنة ودهاء في التسرب لمسامات الكون كان بكر ابو عون حزن عيرا بالامس رحنا ممدوح وانا نقلب في رحلة الشوارع بعيرا لحظة البدء مع بكر قبل ٣٧ سنة..
وبقية الرهط فجاة..وقبل ان نبلغ دوار (المدفعية) شهق ممدوح وقبض على يدي وقال باكيا كله... نقصنا واحد صرنا تسعة.. وافانا عماد الطراونة الذي حرص ان يبقى حتى اخر رمق مع رفيق عمره.. ليس بعيدا عن دوار المدفعية..
كان منهارا حتى الياس من العثور على مدخل للصبر ..كانت ذكرى مدفعية الصد والبسالة ولون الخبيزة في المقبرة وجثمان بكر وصوت القران الكريم الوقور يبعث في احاطته بالمكان.. صورة سريالية للتداعي صورة حزينة كيف صرنا تسعة ....؟!
اول القصة سيدي حسن..
على حواف الثمانينات، كان الشباب الاردني في الجامعتين (الاردنية واليرموك) قد ارهقهما البحث عن زوايا جديدة تؤطر هويتهم.. لم تكن البطالة والفقر والفساد وتحويل البشرية الى ناد للصحافة المفتوحة دون رقيب ولا ضمير.. كانت التعبئة الوطنية ونشدان بلورة رسالة مفرحة هي المراد وعلى مهل اقترب سمو الامير الحسن من ذلك القلق ليقدم حلال اولائك الشباب ارحب من صيغة الحزب واسمى من صيغة النوادي..
وهكذا، كلف المهندس سامر المجالي، للبحث عن صيغة، ووجد سامر ضالة المرحلة في (المنتدى الانساني) والذي اضفنا له لاحقا وصف (الاردني) بغية ان نتعلم التنظيم والتاطير لم يبخل علينا (سيدي حسن) باي شيء احضر لنا خبراء من فرنسا وانجلترا وتونس لاعطائنا دروسا في التكوين الوطني والتاهيل القيادي..
وحين سافرنا لتونس في اول دورة تدريب كنا خمسة رجال وثلاث سيدات سامر المجالي فيصل الحوراني ممدوح الناصر سليم المغربي وانا
اما الستات فكن مها الفاهوم ( يرحمها الله رحلت قبل رحيل بكر بايام معدودات) ومصون شقير وفيفيان خميس (جامعة بير زيت) عدنا
بعد ان عقدنا العزم على ان يكون احتفال العرب في السنة الدولية للشباب (اردنيا) وعرضنا الفكرة على سيدي سمو الامير الحسن الذي بارك واوكل للمحترم الوطني النبيل عبدالله كنعان دعمنا وتسهيل كل ما من شانه انجاح مهمتنا معسكرا قوميا للشباب العربي تكفلنا فيه بكل شيء ضيافة كاملة بدأنا تشكيل الخلية الصلبة لانجاز هذا الهدف الكبير لو ان المئوية (نبشت في ملفات الدكتور علي الزغل او فيصل الحوراني او بسام ابو النصر او هاني البدري) لاخرجت كنوزا وطنية مجيدة من تلك التجربة التي لم تتكرر.
كانت النواة التي جعلت من حلم سمو الحسن حقيقة (كارولين فرج، ممدوح الناصر، فيصل حوراني، سليم المغربي، بكر العبادي، عماد الطراونة، رزان بطاينة، مصون شقير، عبد الرحمن الحوراني، وانا) وظل بعد ان انجزنا المهمة وراح المنتدى كله الى افق اخر..
ظل في الاسرة على نحو دائم نتواصل ونحيا كاننا اسرة هولاء العشرة مع ابتعاد السيدة مصون شقير بحكم عملها..
حين بكى ممدوح الناصر في شوارع يرقا امس قال صرنا تسعة كان بكاؤه مرثية بكر الاولى، حين تخرج بكر من الهندسة الزراعية رحت في معية الحاج محمود سعيد رحمه الله لزيارة عمدة عمان ذلك البهي الذي علم عمان نظافة الشوارع وطهارة القلوب.. كان الذي يشبهنا
هو العمدة والعميد (عبدالرؤوف الروابدة) ابو عصام اشهى الرجال، قال له ابو خالد: احمد بدو منك طلب ارجوك لا ترده خائبا.
رد ابو عصام ( احمد يدلل) على نبضات القلب اساذنته بوظيفة للمهندس بكر العبادي في الامانة ضحك ضحكته التي تحيل المكان الى فرح
عبادي ومهندس زراعي؟!
بكرا يداوم ... وداوم بكر في الامانة عشرات السنين يخدم بصمت ويعين كل محتاج ويصل كل اردني.. وانتقل من الامانة الى التنمية السياسية امينا عاما.. حتى احاله الرفاق (صبية الدولة الملاح) الى المعاش في حكومة الن المدرسة القومية العريقة (عمر الرزاز) في العزاء لا يجوز العتاب..
لكن اقول بكر لانه تربى تربية وطنية غير ملفقة ولا يشوبها مدخلات نحن نعرفها لم بنبس ببنت شفة لم يعتب رغم كل غضبه الداخلي وظل مستورا حين يريد ان يحول لليان ابنته البكر حاجتها المالية في المانيا اثناء تدربها في الهندسة كان يلملم شعث قروضه البنكية
لان يده وقلبه ظلت في صورة نقية كما وصفتها لي ليان بكره الغالية (بابا ملاك) مضى بكر الى مثواه صامتا هادئا دافئا وارفع يدي وانا اقف سائلا الله سبحانه له الرحمة وحسن المآب...
فاجزم ان بكر ابو العون عاش طول حياته ما ازعج احدا ولا اساء لاحد ولا تذمر ولا شكى كان مصلحا لذات البين كان كريما حليما حنونا طاهرا طيبا مرة مازحته حين كان رفيق العمر في محنة تعافي والله يا بكر انك اخلص واحد فينا لزوجتك قال هذي رفيقة عمري وام اولادي افديها بروحي كان زوجا مثاليا وابا لا مثيل لحنانه ولقد اصابه اللعين (الكورونا) ومكث في المستشفى قرابة الشهرين...
غمره الاهل والاحبة والاصدقاء الخلص بالطيب والحب ومن تخاذل ولم يقم بواجبه تجاه بكر هو يعرف نفسه فبكر في المحصلة ابن الدولة
وله حقوق تراكمية في ذمتها لا نعتب على احد لكننا نردد (في الجاه ينكشف الاصل) يا رفيق الحياة كفيت ووفيت يا حبيبي ووالله من زمان ما حزنت كما افتقادك اليوم لكن عزائي انك تركت فينا عون وسيكون متمثلا بروحك والله اسال لك الرحمة والصبر لكريماتك الغاليات
وزوجتك البارة الاصيلة ولكل احبتنا الذين نعرفهم وروحك تعرفهم من ابناء الشرعة الاكارم وابناء اخيك والاهل والاعمام الذين كانوا مثالا للشهامة وعلمونا درسا اضافيا في الرجولة الصحيحة والفروسية المعطاءة
نم يالحبيب قرير العين بما تركت من صيت واسال ليش زهقتنا ورحلت مبكرا؟! نحن من يتحمل المسؤولية ولست انت سنظل نحبك حتى نلاقيك نسيت ان اقول لك لقد غبطتك اليوم لانك ترقد محروسا بمدفعية عيرا مثلك فقط من يستحق مجاورة المدافع يرحمك الله