هذه أسابيع، مرهقة عصبيا، مرت على الأردن، منذ حادثة السلط، والمسيرات التي تلتها، مرورا بالتحشيد في 24 اذار، وصولا الى الاحداث الحساسة الأخيرة التي عشناها.
ما هو مهم هنا، مراجعة المشهد الداخلي بكل تفاصيله، والسؤال اذا كان العصب العام، يحتمل أساسا كل هذا الضغط، وكل هذه الازمات المتتالية، بتأثيرها المعنوي، وارتدادها الاجتماعي والاقتصادي، والسؤال هنا، طبيعي جدا، فالأردن كله يمر بحالة ترقب وقلق شديدين.
كيف يمكن ان نسترد الهدوء الداخلي، والعودة الى اجنداتنا الطبيعية، ونحن نمر كل أسبوع بقصة ليست سهلة، وكيف يمكن ان نتجاوز حالة التوتر العصبي الشديد، وهي حالة تنعكس على استقرار الافراد، والمجموع، في ظل ظرف ليس سهلا، على الصعيد الصحي والاقتصادي، وفي ظل أزمات الجوار، والتغيرات في العالم، على كل المستويات ؟.
لقد آن الأوان، ان تتم مراجعة كل شيء، وهذا ليس عيبا، ولا ضعفا، نراجع السياسات، والذين ينفذونها، ونعيد تقييم كل شيء، خصوصا، ان الازمات لا تتوقف، وكأننا امام منزل جميل، تتنزل على سقفه كل يوم أطنان الحجارة، فتتم ازالتها، وكلما تمت ازالتها، تنزلت حجارة جديدة، وهذا واقع نراه، حتى كأن الناس باتوا يستيقظون يوميا، وهم يسألون الله، ان يمر ذلك اليوم على خير، وبدون أزمات، تسبب الخوف، او القلق، او الحذر، او الغموض.
لو اجلسنا عشرين خبيرا وقلنا لهم، نريد إجابات حول الكيفية التي تتوقف فيها الازمات، كي نسترد الهدوء، ونعيد هندسة الداخل الأردني، لما كان صعبا عليهم تشخيص الازمات من جذورها، لكن الأهم وقد افتى كل واحد فينا، برأيه خلال سنوات، ان يتم الاستماع مرة واحدة لمن ينصحون بصدق، خصوصا، ان من ينصح بصدق، لا يريد الا ان يبقى الأردن بخير.
الأسابيع القليلة الماضية، اتلفت اعصابنا، وبثت الخوف حتى في قلوب الصغار، قبل الكبار، هذا مع الادراك ان حالة القلق التي تسري أساسا في العصب العام بسبب وباء كورونا، غيرت الكثير في البنية الاجتماعية، ومن المؤلم حقا، ان نصل الى مرحلة تصير فيها حياتنا، يوماً بيوم، فلا احد فينا قادر على التخطيط ليوم جديد، خصوصا، ان حالة اللهاث بسبب الازمات باتت سائدة، بين الكل، ولا بد هنا، من تهدئة الداخل، واستعادة روحه المعنوية، وبث الطاقة الإيجابية في المجتمع من جديد، والوقوف عند المشاكل في كل شيء، من التعليم الى الصحة، الى الاقتصاد، مرورا بشكل إدارة الازمات، وملف الاعلام بكل ازماته الرئيسية والفرعية، والضغط الهائل على الهوية الوطنية، ومشاعر المنتسبين اليها، امام المهددات المختلفة.
نحن لسنا غرقى في السلبية، ونريد لهذا البلد ان ينجو دوما، وان يسلم بمؤسساته، ومن فيه، ولا احد فينا يريد التحريض على احد، فالتوقيت أصلا لا يحتمل العبث، وهذا يعني ان التغييرات مطلوبة بشدة، على مستوى كل المؤسسات، التغييرات في الأسماء، وفي السياسات، وفي التخطيط للمرحلة المقبلة، وما يزال الوقت متاحا امامنا، ولدينا الكثير لنخاف عليه، فلم نخسر كل شيء، ولدينا إمكانات ومقدرات، يمكن الاستثمار فيها، بدلا من حالة الاستسلام للأزمات، واللهاث بسبب كثرتها، واحدة تلو الأخرى، بحيث بتنا نفقد التركيز.
المبالغة بتأكيد الاستقرار، عبر التصرف وكأن شيئا لم يحدث منذ حادثة السلط، وما تلاها، حتى هذه الأيام، قد لا توصل رسالة بالاستقرار، بل على العكس فقد تقول ان هناك إساءة تقدير للموقف، وهذا يعني ان عبقرية القرار ستظهر في اعلى درجاتها، اذا اتسمت بالمرونة، وأقرت ان هناك وضعا غير طبيعي، وهو وضع كما اشرت اتلف أعصاب الملايين في هذه البلاد، حين يصحون يوميا، على ملف جديد، وكأنهم صنعوا من حديد، ومطلوب منهم الاحتمال.
ان اصعب ما نمر فيه، شيوع القلق، حتى بدون سبب، وعدم معرفة ماذا يخبئ لنا القدر، والشعور بالغموض، وتشظي الروح المعنوية، والخوف على الحياة، والرزق، والاستقرار، وهذه بعض المظاهر التي يمكن تعدادها، وهي مظاهر تعبر عن ازمة اكبر من كل الازمات التي عبرناها خلال عقود، وهي ازمة من نحن، وماذا نريد ان نكون، وماذا نخطط للمستقبل، وبأي خطط او مشاريع سنعبر الى المستقبل، ومن هم الذين سينفذون التغيير الإيجابي؟
الغد