كان بعض الخطباء يتحدثون عن معركة او نكسة حزيران عام 1967 ويروون للمستمعين حكاية بعض الزعماء العرب الثوريين الذين خرجوا على الجماهير من شعوبهم يقولون ان اسرائيل لم تنتصر لانها كانت تهدف الى الاطاحة بالانظمة الثورية والتقدمية وان بقاء هذه الانظمة واستمرارها هزيمة للعدو حتى وان اخذ الارض ودمر الجيوش والاسلحة.وفي حكاية الاقتتال الفلسطيني، الذي انتشر خلال عدة شهور، نسمع من البعض حديثا بانه لا يهمه ان يقال ان كيان الاحتلال قد استفاد من هذا الاقتتال لان المهم حل مشكلة التنازع على الملف الامني الفلسطيني، اي من هو الشرطي في غزة، وهذا المنطق لا يختلف عن منطق الانظمة الثورية التي كانت تنسج انتصارات وهمية، وكأن المطلوب ان يتم تضخيم انتصار طرف فلسطيني على اخر وإغماض العيون عن مكاسب العدو الصهيوني، اي ان انتصار الشعب الفلسطيني يتم بحل الملف الامني لسلطة اصلها كذبة اسرائيلية صاغها اتفاق اوسلو، بينما الخسائر التي لحقت بالقضية الفلسطينية لا يحب البعض الحديث عنها.
اقل ما حصلت عليه اسرائيل من عبث المناضلين المتقاعدين ذلك التشويه الذي لحق بصورة مقاتلي الفصائل وسلاحهم، ولو انفقت اسرائيل الملايين لتشويه صورة المقاومة وفصائلها لما استطاعت ان تحقق ما حققه لها المتقاتلون! وهذه قناعة اوساط عديدة من الرأي العام العربي والاسلامي. فلا يهم الناس ان تكون اجهزة الامن الوقائي تحت هيمنة فتح او حماس؛ لان الثمن الذي تم دفعه اكبر بكثير، من نشوء النصر الوهمي او مرارة الهزيمة.
واي نصر تحققه اسرائيل اكثر من ان تنشغل الاجنحة المسلحة، التي جاءت للمقاومة، بقتل بعضها بعضا، فلا حاجة للقصف والاجتياجات فالمجاهد يقتل المناضل، والمناضل يقتل المجاهد، وبدلا من ان يعود احدهم يشعر بنصر حقيقي من عملية ضد دبابات الاحتلال التي تحاصر غزة يعود الى بيته يحمل نصرا كاذبا لانه حرق مقرا لحماس او استولى على مقر لفتح. فماذا تريد اسرائيل اكثر من ان تعيش قوانا السياسية والعسكرية حالة من الفرح والانجاز الكاذب بينما الجميع اسرى تحت الاحتلال، فالمنتصر والمهزوم تركا المحتل وانشغلا باولويات وانتصارات وهمية، يكّبر القاتل وهو يقتل اخاه، ويرفع الاخر راية حزبه ليس وهو يحرر جزءا من ارضه بل عندما "يحتل" او يحرر مركزا امنيا او شركة تسجيل اشرطة فيديو!
البعض لا يحب الا من يصفق له او يصدق اوهامه، لكنهم قديما قالوا: "صديقك من صدَقك لا من صدّقك"، ولهذا على كل هؤلاء المقاتلين ان يدركوا ان من يتابعهم من العرب والمسلمين لا يرى هذه الاسلحة والشجاعة بل الشراسة عندما تجتاح اسرائيل غزة او الضفة كما حدث قبل ايام، وعندما يظهرون على الشاشات اشداء ملثمين يحملون احدث الاسلحة يسأل اين هؤلاء من صد العدوان؟! ولماذا كل هذه الشراسة نحو بعضهم بعضا؟! انه واقع جعل الله بأس الامة بينها شديدا في فلسطين وكثير من الساحات.
اذا كانت خطيئة الاقتتال والقتل تحدث فاننا نرجو أطرافه ان لا يمارسوا التضليل والخداع بحق شعبهم وامتهم. فليس هناك منتصر في هذه الفتن، لكن يبدو ان قدر الشعوب لا ان تعيش تحت تضليل الانظمة، بل حتى القوى الشعبية، والانتصار الوهمي الذي يتعمد البعض بترويجه حكاية مكررة عاشتها الامة، فالارض المحتلة منتصرة وهي تحت حكم حكومتين، كل منهما لا تملك حتى السلطة أو القدرة على الخروج والدخول.
فلنسمِ الامور بأسمائها، ولنمارس صدقا مع ذاتنا؛ فتعريف الانتصار واضح، ولعلني انقل عن د. احمد الطيبي العضو العربي في الكنيسيت الإسرائيلي جملة، نقلا عن بعض المتشددين الصهاينة، قالوا فيها: "نتمنى للطرفين التوفيق"؛ لان من يوفق لقتل الاخر اليوم قد يكون خاسرا غدا، لكن توفيق الطرفين او احدهما ليس له تعريف الا انه انتصار للعدو.
اخيرا؛ فإن قتلى الاقتتال الاخير (116) قتيلا و(550) جريحا وهذا خلال خمسة ايام، فمن هو المنتصر على دماء وجثث هؤلاء الفلسطينيين، ولعل بعض من قتلوا لو تمكنوا من قتل القتلة لفعلوا، فأي تعريف للنصر والهزيمة في هذه الصورة المأساوية!
sameeh.almaitah@alghad.jo