ستبقى العلاقة غير صحية، بين الصحافة الحرة والسلطة الى ما شاء الله، فثمة تناقض موضوعي بين الطرفين، طالما ان رسالة الصحافة الحرة تلتزم النقد البناء لسياسات وممارسات السلطة الحاكمة،بهدف كشف الحقائق للرأي العام، ولأن الانسان بطبيعته يحب احتكار الحقيقة، وينزعج من مخالفة احد لرأيه ونقده،مهما ادعى انه ديمقراطي، فان الذين يمسكون بمفاصل السلطة، يسعون لترويض معارضيهم، والتضييق على الحريات العامة بما فيها حرية الصحافة.ولذلك لن يكون تقرير منظمة «مراسلون بلا حدود « الذي اصدرته يوم 3 ايار الحالي بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة الاخير، وجاء بعنوان «صيادي حرية الصحافة»،وستبقى هذه المنظمة «وغيرها من الهيئات المهتمة بحرية الاعلام، تصدر التقارير التي تتضمن انتهاكات لحرية الصحافة في بلدان العالم بنسب متباينة،وفقا لدرجة تطور هذه الدول سياسيا وقانونيا واقتصاديا واجتماعيا.
الحكام والمسؤولون في الدول الديمقراطية، أقل تطيرا من النقد، مقارنة بنظرائهم في الدول التي تحكمها نظم شمولية او ترفع شعارات ديمقراطية زائفة، ومن حيث المبدأ فان جميع المسؤولين، هم بشر تحركهم شهوات ونزوات ومصالح شخصية، لكن الفرق ان الحكام والمسؤولين في الدول التي تنتهج الديمقراطية في ادارة شؤون البلاد والعباد، وتلتزم مبدأ تداول السلطة، يتصرفون بثقة مصدرها انهم جاءوا بارادة شعبية، وفقا لما تفرزه صناديق الاقتراع،ويدركون انهم لن يبقوا على كراسيهم الى الابد،اذ لا بد ان تدور دورة الحياة ويحدث تغيير ويتسلم السلطة طرف اخر، وامامنا مثال طازج وهو هزيمة حزب العمال البريطاني في الانتخابات الاخيرة بعد ان حكم بريطانيا 13 عاما متواصلة.اما في الدول غير الديمقراطية ويهمنا بالدرجة الاساس بلادنا العربية، فان سبل الوصول الى الحكم مختلفة، فهي اما وراثية، او عبر الانقلابات، او استفتاءات وانتخابات صورية، وربما باستثناء لبنان لن تجد بلدا عربيا فيه رئيس سابق على قيد الحياة، او يعيش حياة طبيعية، ذلك ان شهوة السلطة بما توفره من ثروة وجاه وملذات لا تقاوم، ومن هنا يتم انتاج اساليب عديدة لضمان البقاء في السلطة، ومن بين ذلك اختراع صيغ «ديمقراطية « تفصل وفق مقاسات محددة، لافراز نتائج مرضية، لا تشكل اي تهديد لسلطة الحاكم، الذي يستعين على قضاء حاجته بجيوش من المنافقين والانتهازيين واصحاب المصالح الخاصة، والسعي لفرض الهيمنة الرسمية المباشرة وغير المباشرة على وسائل الاعلام!.
وفي ضوء ذلك ليس غريبا ان احوال العرب، فيما يتعلق بمنسوب الحريات في تراجع مستمر،اذ ان 15 دولة عربية احتلت مراتب بعد المئة، في تقرير «مراسلون بلا حدود «حول الحريات!.
الصحفيون ليسوا مجتمع ملائكة،وهم نتاج المجتمع، ومخطئ من يظن ان جميع الصحفيين يضعون في سلم اولوياتهم شرف المهنة ويلتزمون برسالة الصحافة التي هي كشف الحقيقة وتنوير الرأي العام ومكافحة الفساد،ونقد اخطاء الحكومات والمسؤولين، لكن يبقى الكفاح من اجل رفع سقف الحريات الاعلامية هدفا اساسيا للعاملين في هذا الميدان.
Theban100@hotmail.com
الراي.