التوصيات الاخيرة لصندوق النقد الدولي حول سبل زيادة الايرادات, لها وضع خاص هذه المرة بالنسبة للاقتصاد الاردني الذي باتت خزينته اليوم اسيرة جيوب المواطنين من جهة والمساعدات الاجنبية من جهة اخرى.
الاقتصاد الوطني الذي وصلت اليوم مديونيته الى اعلى مستوياتها في العقدين الماضيين واقترابها من حاجز العشرة مليارات دينار مطالب بآليات جديدة تضمن عملية الوفاء بالتزاماته امام المانحين والدائنين, بعد ان انهى من خلال الخصخصة كافة اشكال الوجود الرسمي في العمليات الاستثمارية والانتاجية.
صندوق النقد قدم للحكومة سلسلة لا تنتهي من التوصيات الخاصة بزيادة الضرائب على كم كبير من السلع والخدمات علما ان بعضها مطبق فعليا على ارض الواقع, والهدف النهائي هو زيادة الايرادات المحلية وبالتالي ضمان عملية السداد لفوائد الديون واقساطها التي تتجاوز الـ 750 مليون دولار سنويا.
بتلك التوصيات تكون العلاقة بين الاردن والصندوق انتقلت الى مرحلة جديدة غير تلك التي كانت في السابق من خلال برامج التصحيح الاقتصادي التي أدارت شؤون الاقتصاد الاردني بعد انهيار الدينار سنة 1989 واستمر العمل بها طيلة 14 عاما حتى تخرج منها الاردن سنة 2003 . العلاقة الجديدة لا تتمثل بعودة برامج التصحيح بل تتعلق في وظيفة الصندوق الاساسية امام المانحين والدائنين ومدى قدرته على ضمانة الدول المدينة للوفاء بالتزاماتها, ومن هنا فان توصياته تأتي لتكون خطة وقائية لضمان التحصيل وليست برنامجا انمائيا.
لم تكن برامج التصحيح في يوم من الايام تنظر للاقتصاد الاردني من زاوية دعم جهوده في تحقيق التنمية المستدامة, بدليل تنامي مؤشرات الفقر والبطالة وازدياد المديونية بالارقام المطلقة, ومن هنا كانت صحوة الحكومات متأخرة لتدارك التداعيات الاجتماعية السلبية التي ولدتها برامج التصحيح على المجتمع.
الكثير من المسؤولين يؤكدون بانه لا عودة لبرامج التصحيح مع الصندوق, وقد يكون هذا الكلام صحيحا, فالصندوق نفسه لا يريد العودة الى برامج التصحيح مع الاردن لانه ببساطة استنفد اغراضه من تلك البرامج والوضع بات مختلفا تماما عن نهاية عقد الثمانينيات, فلم يعد هناك ما يستدعي الاشراف على الاقتصاد, وكل ما هو مطلوب إقرار سياسات قادرة على تحصيل ايرادات الخزينة بوسائل مبتكرة غير تقليدية بغض النظر عن تأثيراتها السلبية على الأمن المعيشي للمواطنين او حتى على البيئة الاستثمارية في المملكة.
الصندوق يؤدي دوره في الوقت الراهن ويلعب صفة الكفيل امام مجتمع المانحين, يبقى الدور الاهم على الحكومة في ايجاد وسائل للتنمية بعيدة عن مطالب الصندوق.
salamah.darawi@gmail.com
العرب اليوم.