هل يستطيع الرئيس الأمريكي الانقلاب على سياسة واشنطن في المنطقة؟
تحظى منطقة الشرق الأوسط بأهمية كبيرة وأولوية متقدمة ضمن أولويات صناع السياسة الخارجية للولايات المتحدة الامريكية، ومورد هذه الأهمية والاهتمام ما تتوافر على المنطقة من أهمية سياسية، استراتيجية، جغرافية، اقتصادية، فضلا عن كونها مصدرا رئيسا للطاقة، ويعد هدف تأمين الحصول على النفط وأمن إسرائيل جوهر المصالح الأمريكية في المنطقة.
ومما يزيد من أحداث تشهدها منطقة الشرق الأوسط وتطورات لها تأثيراتها وتداعياتها الدولية هو ما يحصل في سوريا، ولعل واحد من أبرز التطورات هو مساهمة روسيا في مكافحة تنظيم داعش الإرهابي والتنظيمات الأخرى في سوريا، من خلال توجيه سلاح الجو الروسي ضربات جوية بشكل مكثف على مواقع التنظيمات الإرهابية، وكذلك التعاون المعلوماتي بين كل من العراق وإيران وسوريا وروسيا.
"سياسة أمريكا في الشرق الأوسط في عهد بايدن" في ضوء مقارنات الأهداف والأولويات لكل من إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وإدارة الرئيس الحالي جو بايدن، فإنها تتقاطع عند ثلاثة محاور، ما يطرح تساؤلا عن أوجه التغيير في سياسة أمريكا في الشرق الأوسط في عهد الرئيس المنتخب جو بايدن، وتتمثل أهم أولويات الإدارة الأمريكية الجديدة في منطقة الشرق الأوسط في برامج إيران التي تزعزع الاستقرار في المنطقة، ومن بينها البرنامج النووي، وكذلك تأمين إسرائيل وتعزيز السلام بين العرب وإسرائيل، وإنهاء الحروب في اليمن وليبيا، وتعزيز وضع حقوق الانسان. والأولويات الثلاثة تعكس أهداف إدارة ترامب أيضا، وفي ضوء هذه المقارنة يتبادر الى الذهن التساؤل عما هي أوجه السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط التي سوف تبقى على حالها؟ وما هي المظاهر التي سوف تختلف بشكل واضح؟
من المؤكد والواضح لنا جميعا كعرب أنه سيكون هناك تأكيد على المشاركة في تحمل الأعباء، والرئيس الأمريكي جو بايدن لا يفكر حاليا في سحب القوات الامريكية، لكنه يفكر في إنهاء الحروب، وسوف يعني هذا الضغط بقوة على دول المنطقة لتكون وسطاء لتحقيق السلام، وتقديم تنازلات، وتوفير حوافز للخصوم لإنهاء الصراعات، وسيكون هنالك ضغط مستمر على الشركاء العرب وإسرائيل للحد من علاقاتهم مع روسيا والصين، وسيكون هذا واضحا بوجه خاص في مجالات الدفاع والأمن، والفضاء الإلكتروني، والذكاء الاصطناعي، والطاقة النووية.
" استشراف السياسة الخارجية للولايات المتحدة الامريكية في منطقة الشرق الأوسط خلال الأعوام الأربعة القادمة ستبقى ثابتة ولن تتغير في عهد بايدن " يعتقد كثيرون وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط بإن السياسة الامريكية في المنطقة ستتغير بشكل كبير تبعا لتغير ساكن البيت الأبيض، للوهلة الأولى يبدو الرأي منطقيا؛ نظرا للاختلافات الجذرية بين شخصيتي الرئيسين السابق دونالد ترامب والحالي جو بايدن، ونظرتهما للعالم ولدور الولايات المتحدة الامريكية، في الحقيقة المؤكدة وإن كنا نرى شيئا من المنطقية في وجهة النظر هذه؛ إلا اننا نشاطرها الرأي بل على النقيض من ذلك فإننا نرى بإن السياسة الامريكية في الشرق الأوسط ستبقى ثابتة، ولن تتغير في عهد بايدن.
" السياسة الخارجية الامريكية في الشرق الأوسط تبقى محصورة بالمستوى التكتيكي، اما الاستراتيجيات الكبرى الامريكية في الشرق الأوسط فهي ثابتة، ولن تتغير بتغير الرؤساء، كيف ذلك؟ " كيف يمكننا القول ان السياسة الامريكية في الشرق الأوسط ستبقى ثابتة، بينما تبدو مؤشرات التغيير واضحة منذ اليوم الأول لتسلم الرئيس الجديد مقاليد الحكم في البلاد؟ ننظر الى موقف بايدن من إيران وملفها النووي، ومن حل الدولتين، ومن السيسي وابن سلمان وأردوغان؛ ألا نرى التغيير واضحا بالعين المجردة وبدون الحاجة الى مجهر؟ نقول مبدئيا التغيير واضح لكن في أدوات السياسة فقط لا في نتائجها بمعنى اخر التغييرات الملحوظة على السياسة الامريكية تبقى فقط بالمستوى التكتيكي، لكن الاستراتيجيات الكبرى الامريكية في المنطقة تبقى ثابتة ولم تتغير.
" اللوبي الصهيوني ثابت الرؤية والاهداف " في الحقيقة السياسة الامريكية في المنطقة لم تعد عمليا من اختصاصات الرئيس الأمريكي او وزارة الخارجية الا في اضيق الحدود، بل أصبحت من اختصاص اللوبي الصهيوني الذي صار صاحب القول والفصل في رسم سياسات أمريكيا في المنطقة؛ لأن الرئيس الأمريكي يتغير كل 4 او 8 سنوات، اما اللوبي الصهيوني فهو ثابت الرؤية والاهداف ولا يغير وجه سياسته.
"إن تأثير رئيس وزراء إسرائيل على السياسة الخارجية الامريكية في الشرق الأوسط أكبر بكثير من تأثيره في بلاده ذاتها" في الحقيقة إن السياسة الامريكية في الشرق الأوسط ليست حرة وليست مرتبطة بمصالح الدولة الامريكية وأمنها كما يتخيل الكثيرون؛ بل إنها تابعة تبعية شبه مطلقة لإدارة جماعات الضغط الموالية لإسرائيل والتي تشكل الجزء الأهم من عالم المال والثراء المسيطر في الولايات المتحدة الامريكية، فالسياسة الامريكية في الشرق الأوسط يتم رسمها من قبل تل ابيب وداعميها الأقوياء في واشنطن، استنادا لذلك فإن السياسة الامريكية في الشرق الأوسط بقيت ثابتة عبر جميع الإدارات التي حكمت البيت الأبيض اذا نظرنا لمضمونها لا لقشرتها الخارجية.
الاستراتيجية الإسرائيلية في المنطقة بسيطة للغاية " إثارة النعرات الطائفية والمذهبية في المنطقة " تمهيدا لتفتيتها الى كيانات ضعيفة متناحرة؛ لتبقى إسرائيل هي القوة الوحيدة والمسيطرة ولتستطيع تحقيق احلامها في إسرائيل الكبرى.