تَعَلَمْنا منذ صغرنا أن الإعلام بجميع مكوناته و ألوانه يعتبر سلطةً رابعةً مستقلةً ذو ألقٍ دائمٍ و ألوانٍ بهيجةٍ متعددة الإهتمامات والمصادر.
كَبُرْنا و قد شارك بعضُ الإعلاميين المُمَيَزين بتكوين لَبِنَات ثقافية ساهمَتْ إلى حد كبير ببناءِ جزءٍ من شخصياتنا فكلنا يذكرُ سلامةَ لغةِ الإعلامي المُمَيز رافع شاهين رحمه الله و برنامجه الشَيِّق فكر و اربح أو مُقَدِم برنامج بنك المعلومات الدكتور عمر الخطيب الذي كنا ننتظره بفارغ الصبر لأسلوبه الشيق و رسائله الإيجابية للمجتمع كل ذلك كان عبر شاشة التلفزيون الأردني الذي كان محطة تنوير و تثقيف لمجتمع بأكمله مراعيا عاداتِنا و تقاليدنا فكانت شخصيات مذيعيه و مذيعاته ربما للبعض مثالا للثقافة و حسن الحوار و ربما أحيانا الأناقة.
لن ننسى برنامج البث المباشر عبر الإذاعة الأردنية الرسمية الخالي تماماً من الصراخ و التهديد و الممزوج بروح الوطنية و خيوط الثقافة لا النفاق و التَصَيُد فكان يمارس دوره الإعلامي بهدوء و روية و موضوعية أصيلة فالله الله على زمن الاعلام الجميل و زمن المناهل الذي طَوّرَ لغتنا العربية و حَبَبَنا بها بأسلوب راقٍ و مبهر .
بدأت الوسائل التكنولوجية بالتطور السريع و بدأ معها التضخم الإعلامي غير المبرر فبدأنا نرى عملقة إعلامية و ماكنة إعلامية قد تكون ببعض الأحيان هدامة لكل جميل و بناءة لكل زيف وإشاعة .
كثر الصحفيون و تنامى معهم السبق الصحفي والخالي أحيانا من التحقق و التحقيق فأصبحت بعض شاشات التلفاز مرتعاً و ملعباً للإشاعة فجميعنا يذكر قصة طبيب النسائية و التوليد الذي نسي هاتفه المحمول ببطن إحدى مريضاته فكان سبقاً صحفياُ معدوم الرؤية مجرداً من الموضوعية ,فوصل هذا الخبر الصحفي اللامسؤول للمشرق و المغرب و أصبحنا أضحوكة بين الوسائل الاعلامية العالمية و مادة دسمة للتهكم على أطباء الأردن إلى أن تكشفت القصةُ على أصولها و تبين أن الهاتف كان بجيب المريضة بعد سلسلة مراجعات لا ببطنها ,لكن السؤال هل انتشرت الصورة الصحيحة كانتشار الزيف و الإشاعة ولو فكرنا كم من الأسهم الطبية و الإقتصادية قد خسر الأردن نتيجة تهور قناة و جشع صحفي بسبب هذه اللامبالاة واللامسؤولية المرتكبة .
لم يتوقف الأمر لدى بعض وسائل الإعلام والصحفيين و المذيعين المغمورين عند ضياع المسؤولية الصحفية و الأمانة في النقل بل تجاوز ذلك بكثير فتطور الى زواج مصلحة بين الإعلام و أنواع السلطات المختلفة و أصحاب المال و الأعمال لتحقيق خدمة الشهرة و إشباع روح الظهور لدى الطامحين بنوعيةٍ أفضل لكراسيهم و أصحاب رؤوس الأموال مجهولي الأجندة و الأهداف .
أراقب البرامجَ الصباحية المختلفة عبر موجات متعددة و للأسف الشديد لم أجد برنامجاً واحداً في الإذاعات غير الحكومية يخدم الواقع الطبي و يقدم مادة دسمة لصالح المجتمع فلو حسبنا وقت البرنامج الفعلي لوجدناه لا يتجاوز الأربعين دقيقة من أصل ساعتين أو ثلاث ساعات.و لم نسمع في تلك الاربعين دقيقة سوى الصراخ و الوعيد و التهديد بل و تجاوز البعض الى محاولة اغتيال شخصيات تعتبر ببلدنا مثالاً في العلم و على درجةٍ عالية من الأستاذية و ذلك باجتزاء مقابلات و تصريحات ...لكن السؤال لصالح مَنْ تلك الهجمات؟ و لماذا يستعمل هذا الأسلوب في التعامل ؟...
إن المضحك في أسلوب الطرح الصباحي ان نرى المديح لشخص و كأنه المنقذ في نفس وقت الإغتيال الإعلامي لشخص اخر .
هذه إحدى صور علاقة الإعلام ببعض محبي فوضى الكراسي .
وعلى سبيل المثال و ليس الحصر أذكر حادثة مبكية حصلت معي أثناء عملي في مستشفى البشير بعد دخول كاميرات و معدات تلفزيونية و ماكنة اعلامية ضخمة ...
كان الوضع في الطواريء سيئا لدرجة مأساوية المسرحية التي حصلت باختصار شديد بعد التنسيق مع المعنيين حيث قاموا بجلب ثلاثة أشخاص من الموظفين المسؤولين عن نظافة الطواريء و تم إجلاسهم على أسرة مغطاة بشراشف طبية نظيفة لتغطي على ترهل الأسرة و بمساعدة أحد الكوادر تم عمل إجراءات طبية بسيطة لهم أمام الكاميرات ثم كُلِفَت إحدى الموظفات لتروي سرعة الإجراءات في الدخول في حين كان يَئنُ المرضى في القاعات الحقيقية المجاورة لحين دخولهم بعد انتظارهم ليومين في قسم الطواريء.
استفزني الموقف فذهبت لأحد الكوادر الاعلامية العاملة و قلت له بأن هذا غير مقبول و أن به اخفاءا للحقيقة و حجبا للرؤية الموضوعية , ضحك و قال" أصحابنا هون هيك بدهم يا دكتور و هدول غاليين علينا".
ومع التغيير الذي حصل في هيئة الإعلام آمل أن يكون هناك بيريسترويكا إعلامية صادقة حتى نتخلص من الجعجعات الإعلامية الصباحية و من الكاميرات الموجهة التي تخدم الشخوص و ليس الوطن و المواطن .
آمل أن نرى الحقيقة بالخبر الإعلامي الطبي و أن نرى فيه روح التحقق و التحقيق و الرؤية الصادقة...
آمل ان يكون مستشاراً طبيا لكل إذاعة و قناة قبل نشر الخطأ المزعوم حتى نحافظ على سمعة بلدنا الطبية ...
آمل أن توجه الكاميرات لكشف الحقيقة و ليس لتلميع زائف كاذب , فلو مارس إعلامنا مهنته بموضوعية و مهنية لتلافينا العديد من الكوارث الإدارية و لوصلنا إلى نخب إدارية أخرجت قطاعنا الصحي من العديد من الأزمات
و ساهمت بتطوير السياحة العلاجية التي أثر عليها إعلامنا سلبا لنرتقي بإعلامنا و لنكن إعلاماً مهنيا و ليس موجها .
طب الطواريء و الحوادث