قبل يومين وعند السادسة مساء كنت أقود سيارتي في شارع الأردن في المقطع الواصل بين مستشفى الرويال ومستشفى الاستقلال، كنت أقود بسرعة معقولة لا أظن انها تتجاوز الستين كم بالساعة. في تلك الاثناء كان الشارع مكتظا والناس في سباق محموم لا مبرر له.
المزاج الذي حكم تصرف الغالبية يوحي بان كل واحد من السواقين يعتقد ان الشارع له وحده وان غيره يتعدى على ملكيته الخاصة لهذا الشارع. العشرات من السواقين في زحام مفتعل والبعض يلوح بيديه لكل من يسير على المسرب الذي اتخذوه، وفتاة فردت شعرها الاسود تلتقط السيلفي لنفسها وهي تقود سيارتها غير آبهة بترنح مركبتها بين المسارب ولا بخطورة ما تقوم به على حياة المئات من مستخدمي الطريق، فقد بقيت منشغلة بكاميرات هاتفها والسيارة تتموج في مشهد يشبه اوضاع الاجسام وقت الهزات الارضية.
” البتونة ” او السير بحركة لولبية مظهر من مظاهر الشارع في ذلك المساء، فقد بقيت متحفزا ومحتاطا وقلقا الى ان حاصرتني سيارة بعد ان أخافني سائقها باندفاعه المفاجئ نحوي، الامر الذي ارغمني على ادارة المقود نحو اليمين في حركة سريعة ومفاجئة لأجد سيارة صغيرة تتعقبني واخرى تتقدم لتقف امامي ولينزل شابان من السيارتين قال الأول بأن سيارتي قد صدمت مقدمة سيارته وشرع الثاني بشرح كيف حدث المشهد الذي لم أشعر بأنه حصل فعلا.
النظرية التي تولى تسويقها المتدخل الذي لم اعرف سبب وجوده تقول بأن هناك سيارة حاولت ان تدخل على سيارتي وانني انعطفت يمينا لتجنب الخطر الامر الذي جعلني اتسبب بضرب السيارة التي قال ان سيارتي صدمتها.
في نفس الوقت الذي انشغل فيه الوسيط بشرح حيثيات الحادث الذي لا أثر له على مركبتي ولا أذكر اني سمعت صوت ارتطام او شاهدت السيارة المجني عليها كان سائق السيارة يتحدث على الهاتف او يتظاهر بذلك، قبل ان يناديه الوسيط ويقدم مقترحا للمصالحة وانهاء الخصومة قائلا “دشركوا من المحاكم والكروكات والتأمين، وخلص خذلك 200 دينار وما حدا شاف حدا”.
دون ان أقر بالحادث ودون ان أعترف بمسؤوليتي عنه ومع عدم وجود أي أثر للاصطدام المزعوم على مركبتي قرر الوسيط او الشريك بأنني مخطئ وانني مسؤول عن الضرر الحاصل لسيارة شخص يفترض انه لا يعرفه، وقدر قيمة الضرر وطالبني بالدفع.
هذه ليست المرة الأولى التي أتعرض فيها لمثل هذا الموقف، فقد حصل وأن تبعني شخص وانا احاول الانعطاف يمينا نحو دائرة اراضي شمال عمان في الجبيهة، وقال لي “يا أخي مش شايف انته”. قلت ماذا تقصد قال “انت ضربت سيارتي”. فقلت “وأين هي”، وبعد ان نزلت أشار لها طالبا ان ادفع له قيمة الضرر، وما ان اتجهت نحو السيارة للمعاينة حتى اختفي من المشهد تماما.
حالة الانكماش الاقتصادي وندرة فرص العمل ووقوع الكثير من الناس في براثن الفقر والعوز تدفع بالبعض الى ابتكار ادوات ووسائل جرمية. المؤسف ان هذه الانماط في تزايد واتساع. الاشخاص الذين يلقون انفسهم امام السيارات او يتظاهرون بأنهم صدموا لإخافة السائق وابتزازه ينتشرون في الاحياء الاكثر ثراء وفي اماكن وكراجات المولات.
افتعال الجرائم وطلب تسويتها في الحال تجنبا للتعطيل الذي قد يحصل بسبب الاحالة الى القضاء، ظاهرة مخيفة تعبر عن الخوف من طول حبال التقاضي، كما انها مؤشر صارخ الوضوح على تردي القيم والاخلاق ووصول الناس الى مستوى من اليأس في ان يحققوا احلامهم وطموحاتهم من خلال القنوات المشروعة التي طالما حثتهم التربية والدين والقانون على اتباعها.
(الغد)