في عصر كورونا، والعالم أجمع ينشغل في مكافحته، والتخلص من آثاره الصحية والاقتصادية، تخرج مصر لتبهر الدنيا برحلة ذهبية شهدت خروج 22 من مومياوات ملوك وملكات مصر القدماء في موكب من المتحف المصري بميدان التحرير، لتصل إلى مقرها الدائم والأخير بالمتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط. الحدث أسطوري بشهادة العالم كله، وشهادة بعظمة مصر وتميزها وتجلي مخيلتها.
مصر نفضت الغبار عن صورتها، وقدمت نفسها للعالم كبلد صاحب حضارة ممتدة لآلاف السنوات، لتضع بصمتها على خريطة العالم في وقت بالغ الحساسية، سواء على الصعيد الداخلي حيث تكافح تداعيات جنوح باخرة في قناة السويس، وبالتزامن مع حادثة قطار الصعيد، ناهيك عن الأزمة مع أثيوبيا من أجل سد النهضة، وانتشار فيروس كورونا. لكنها ألقت بجميع هذه التحديات وراء ظهرها، لتتصدى لمهمة أكبر، وهي جذب انتباه العالم كله إلى عظمتها وتميزها، لتكون بذلك محط أنظار الكرة الأرضية ومحور حديث أهلها.
صاحب الفكرة، ومنفذها وداعمها، يحتاجون إلى أوسمة رئاسية من طرز رفيعة، وربما إلى تماثيل في ساحات مصرية مهمة تخلد جهدهم وعملهم الخلاق، فهم يستحقون ذلك.
في الأردن، والمقارنة هنا تأتي حرصا على البلد الذي يمر بظروف هي ذاتها التي تمر بها مصر، ما نزال حبيسي ذات الأفكار البالية والبائسة، وكأننا لا نملك عقولا تبتكر وتبحث عما هو جديد، وتساعد بتسويق الأردن في العالم كله. نصر حتى اليوم، للأسف الشديد، على أن نعلن عن خطط وإستراتيجيات تقليدية، ونغفل عن استغلال ما هو متوفر لدينا من إمكانيات هائلة يمكن لها أن تشكل وجدان العالم حول الأردن. ما تزال طريقة تفكيرنا تقوم على قاعدة “شو رأيكم نعمل هيك”، ليرد الآخرون: “ليش لأ”.
نقف مكتوفي الأيدي أمام كورونا، وكل ما تعتقد الدولة أنه يهم المواطن هو فقط أعداد الإصابات والوفيات. بالتأكيد أن الخطوة الأولى نحو التعافي الاقتصادي والصحي هو تخفيض نسبة الإصابات، لكن يجب التفكير بما هو أبعد من ذلك أيضا، فليس من المعقول أن نكون متأخرين وغائبين عن العالم عندما نحقق التعافي من الجائحة، بل ينبغي علينا أن نعمل منذ اليوم.
لا أريد أن أجلد الذات، ولا أريد أن أسارع إلى بث السلبية والإحباط، وإنما التأكيد على أن العالم من حولنا بات أكثر إدراكا لما هو عليه اليوم، ولما هو آت من أيام، وأن الأفكار المميزة والخلاقة مهما بلغت بساطتها، إلا أنها قد تكون مفتاح النجاة اقتصاديا. مواقعنا السياحية تعاني من هجرة الزوار وغارقة في الإهمال والعبث. هذا هو الواقع الذي نعيشه اليوم، والذي أتمنى ألا نضطر لدفع ثمنه لاحقا.
الأردن اليوم في طريقه للاحتفال بمئوية الدولة، التي بذل فيها الآباء والأجداد كل إمكانياتهم وطاقاتهم لكي تصل مملكتنا إلى ما نعيشه اليوم واقعا حقيقيا. ورغم صغر حجمها وقلة مواردها، إلا أنهم وضعوها على خريطة العالم، برسالة سياسية وحضارية مهمة.
المئوية واحتفالها ليس للحديث عن المنجز، وإنما للإعلان عن خطة البناء عليه. لماذا لم نفكر في أن نقدم المملكة للعالم في هذا اليوم.
ماذا أعددنا لنبهر الكون به؟
نشعر بالسعادة لمصر الشقيقة على تميزها، وسنكون أكثر سعادة إن رأيناها تجني ثمار هذا الاجتهاد المتميز، فهي امتلكت الأدوات والعقول والإرادة، وبراعة التنفيذ.
إن تأكيد الدولة الأردنية الدائم على الاهتمام بالريادة والرياديين، يكمن في كون هؤلاء هم من يستطيعون الخروج بهذه الأفكار التي تعود بالنفع والفائدة، لكن، بالتأكيد، يبقى مجرد خطاب لا يلقى آذانا صاغية لدى المسؤولين في الوطن. لا ضير أن نستورد بعض العقول من الخارج إن كان المعنيون في المملكة فقراء فكريا إلى هذا الحد الذي نراه!
الغد