مستقبلنا التعليمي والتحولات المطلوبة
فيصل تايه
05-04-2021 09:01 AM
ونحن نعيش ما خلّفته جائحة "كورونا" من تبعات ، وما فرضته من ابعاد مختلفة على مختلف مناحي الحياة في هذا العالم الواسع الرحب ، ومع التغيرات السريعة في أساليب التعليم وطرائقه ، ظهرت حاجتنا الى استخدام التقنيات الحديثة للوصول الى المعلومة ، ومع تجربة "التعليم عن بعد" ، تطلب الأمر استخدام المزيد من الأدوات اللازمة لإضافة قيمة الى المهارات التي كنا نمتلكها ، ذلك لضرورة توسيع آفاقنا ومداركنا في مجال التعلم دون اية قيود ، فاصبحنا نتعطش للفضاءات التعليمية الحرة ، التي تمكننا من المعرفة الواسعة ، فالحاجة الى توفير مناهج دراسية رقمية مرنة أصبح ضرورة ملحة ، ذلك يتطلب حتماً مناهج رقمية تمتاز بسهولة الوصول إليها في أي وقت وفي أي مكان ، لذلك فان التسارع في الاعتماد على التعليم الرقمي دفعه التعطش إلى تكنولوجيا متطورة في ظل التطورات الهائلة في بنية النظام التعليمي المعاصر .
يجب ان نعي تماما ان الظروف القسرية التي مررنا بها فرضت تغيير الصورة النمطية المتعلقة بالتعليم والتي اعتدنا رؤيتها ، فقد غيرت "التكنولوجيا المستخدمة في التعليم عن بعد " تلك الصورة للتدريس والتعلم ونظام الفصول ، والتي كانت قبل التحول الى التعلم الرقمي تقتصر على التعليم التقليدي الحضوري والقليل من التعليم "المتمازج" المندرج الى استراتيجيات التعلم الوجاهي ، لكن الامر تطلب بالضرورة أن يمتلك المعلمون والطلاب الأدوات الرقمية اللازمة والتي تتنوع ما بين الأجهزة والبرامج التعليمية الرقمية الجذابة والواجبات الإلكترونية التفاعلية ، فالطالب يسير مدفوعاً الى المحتوى الأمثل المطوّر والمصمم لتلبية احتياجاته ومتطلباته ، وهذا ما يجب توفيره بالطرق التي تراها الجهات المهنية الرسمية مناسبة .
اننا ونحن نعيش سياق التجربة وفي ظل الظروف التي فرضتها الجائحة ، نلاحظ تزايد في الحاجة الى البحث عن أساليب التعليم التقنية المتطورة ، وقد يذهب البعض الى الحصول على المعلومة التعلمية عبر العديد من الوسائل الرقميه المدعومة بالتكنولوجيا ، والتي وفرتها بعض الشركات المتخصصة في مجال صناعة المحتويات التعليمية وتعمل في سوق التعليم الإلكتروني ، والتي تعتمد في عملها على بعض التقنيات التي تتيح مشاركة المحتوى التعليمي وتقديمه بطرق مبتكرة وتفاعلية ، علاوة على ذلك ، يقدم العديد من مقدمي الخدمات التعليمية الإلكترونية "منصات تعليمية" للطلاب لمساعدتهم في الوصول إلى المواد الدراسية "وعبر الإنترنت" كما وتسمح لهم حضور الفصول الدراسية والمحادثات الافتراضية مع معلمين متخصصين في المواد الدراسية ، على شاكلة " مراكز التقوية المسائية " التي كانت تعمل كرديف للتعلم المدرسي الوجاهي ، اضافة الى توفير مساحة للاستفسارات المتعلقة بموضوعات دراسية مختلفة.
الى ذلك .. فانا اعتقد ان جائحة كورونا قد وفرت الكثير من الفرص التعليمية ، حيث اصبح الاستثمار في التعليم يعتمد على مرونة النظام التعليمي ، اضافة الى القابلية للانفتاح ، والحاجة الى توفر الموارد والادوات الداعمة واللازمة ، وكذلك الضرورة الى ايجاد المستثمرين الفاعلين من مختلف القطاعات المتداخلين في العملية التعليمية ، فالاستثمار في التعليم الرقمي الالكتروني أصبح احد اهم الحلول المستندة إلى مجموعة من النظراء ، فالمسؤولية في عصر الفضاء المفتوح لم تعد منوطة بمؤسسات التعليم الحكومية المختلفة ، نظراً للاحتياجات الكبيرة في حجم الاستثمارات لهذا القطاع ، خاصة ونحن نعيش عصر العولمة وضخامة المعلومات التي تطلبها البنية الرقمية التعليمية ، وهذا يؤدي إلى وجود بيئة تنافسية تفاعلية كبيرة بين اللاعبين الرئيسيين المستثمرين في هذا النوع من التعليم المبني على الاقتصاد الرقمي ، والذي يحتاج الى تعزيز أمن وموثوقية منصات التعليم المعتمدة القائمة على السحابة والعمل على ضبط جودتها ، ما يعزز الاعتماد على التعليم الإلكتروني ضمن "المدرسة الرقمية" التي تحمل في مضمونها تحقيق اهداف التعلم المستندة إلى الخطوط العريضة التي وضعتها الدولة ، وهذا يخلق جواً من التنافسية بين المستثمرين وخاصة في اختيار معايير الجودة ، ما يؤدي الى تعدد مزودي الخدمات التعليمية بمختلف صنوفها ودرجاتها وتزايد تقديم المحتوى التعليمي الرقمي الافضل ، هذا بالإضافة إلى تنامي الحاجة للوصول إلى المحتوى التعليمي الرشيق لدى المستخدمين والذي يحقق الأهداف المرجوة ، ما يزيد من الاعتماد على التقنية الرقمية التفاعلية المفيدة ويزيد من نمو الاقبال على التعليم بصورة كبيرة .
واخيرا .. فإننا ونحن نسعى الى اصلاح منظومتنا التعليمية منذ سنوات "حتميا" وليس "رفاهية" ، وفي ظل الاحداثيات الجديدة التي فرضتها العولمة ومتطلباتها المتسارعة في ظل الجائحة ، ذلك يحتاج الى جراحة مؤلمة ، لإنقاذ العملية التعليمية بمجملها بعد عقود من التراجع ، ما سيكون أحد مقومات النجاح في ظل متطلبات مهارات القرن الحادي والعشرين ، من خلال تعليم رقمي يواكب إحداثيات الثورة الصناعية الرابعة ، التي ترتكز على تقنيات الإنترنت والذكاء الصناعي الذي أصبح سمة من سمات العبور إلى المستقبل ، فما نعيشه اليوم يحتاج الى تقديم نموذج تعليمي يحقق متطلبات العولمة وهذا يفرض استحدث برامج تعليمية لتأهيل الأجيال القادمة نحو متطلبات ذلك ، خاصة بالاندماج الاقتصادي، حيث ريادة الأعمال والابتكار والإبداع كاحتياجات للموارد البشرية التي تمثل قطب اقتصادي عالمي في المستقبل القريب ، فلن يقتصر الامر على وزارة التعليم العالي او التربية والتعليم او ايه مؤسسة تربوية بل يحتاج الى "معلم رقمي" متمكن وشركاء فاعلين لدعم العملية التعليمية نحو مستقبل واعد .
بقي ان اقول اننا نحتاج الى "الطالب الرقمي" القادر على التعامل مع أحدث التقنيات التعيلمية الرقمية والذي أصبح معيارا لمستوى تأهل الطالب لمستويات متقدمة في التعليم ، فقد أصبح هدفا في منظومات الدول التعلمية ، ليصبح الفرق واضح ببن "الطالب الرقمي" و "الطالب اليتيم الرقمي" ما أصبح بديلا لنسب الأمية للقراءة والكتابة في عهود سابقة.