الحديث عن رؤية الأردن للأعوام القادمة، لتشكل طريقا للمستقبل وتحدد الإطار العام المتكامل الذي سيحكم السياسات الاقتصادية والاجتماعية، ويؤطر العمل لتحويل الإقتصاد الوطني ليكون أكثر مرونة، وتحقيق الاستدامة المالية وتعزز فرص العمل، وهنا يتطلب التفكير في خطط تنفيذية تعمل بشكل موازي للسياسات الحكومية التي تختص بملف أزمة كورونا وما سببته من تأثيرات سلبية على القطاعات كافة، فالهدف هنا رؤيا شاملة تعزز فيها الدولة دورها الريادي لتتمكن من استيعاب هذه الأزمة وإعادة بناء اقتصاد أقوى وأكثر قدرة على الصمود أمام الأزمات مستقبلا، من خلال رفع مستوى البنية التحتية، وثورة في التعليم والصحة، وفتح افاق اكبر للقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني ليكون لها دور رئيسي في صناعة التغيير والمساهمة في العملية التنموية.
تَبرز محدودية الحيز المالي كإحدى المعيقات الرئيسية أمام تحقيق أهداف النمو والتطلعات التنموية في الأردن بمدوينية مرتفعة، وتباطئ إقتصادي بفعل الجائحة، وهذا يدفعنا بالعمل على خارطة طريق أردنية للمستقبل بأفكارا غير تقليدية، بحيث يكون دورالحكومة تحفيزيا من خلال توفير البيئة التمكينية لتطوير القطاع الخاص ليكون حاضنة للاستثمارات، وهذا يتم برفع الكفاءة والتنافسية والشفافية التي تحفز القطاع الخاص ليكون اكثرابداعا ومهنية وتميز ليكون قادر على تطوير الأعمال ولعب دورا بارزا في تحقيق الأهداف المنشودة من خلال التكامل بين القطاعات المالية و القطاعات الصناعية والزراعية.
فدولة مثل الأردن تمتلك ضعف حاجتها تقريبا من الطاقة الكهربائية التي تستطيع توليدها، لديها فرص كبيرة تستطيع تحويلها للكثير من الأنشطة الاقتصادية الإبداعية المستفيدة من قطاع الطاقة مثل الصناعة والزراعة والنقل، في اقتصاديات محطات الطاقة، للحصول على أكبر عائد اقتصادي من تشغيل المحطات، فإنه يجب تشغيلها بالسعة القصوى أو بالطاقة الإنتاجية القصوى كأي مصنع عادي. ونظرًا إلى تجاوز القدرات اﻹنتاجية لمعدل نمو الطلب، فإن دخول القدرات الكبيرة للخدمة بالنمط المتبع أخيرًا يمثل إهدارًا للموارد، لوجود فائض طاقة كبير نتيجة تشغيل قدرات أكبر من الحمل الأقصى على الشبكة. فمشكلات قطاع الطاقة الأردنيّ هي امتدادٌ وتراكم لأخطاء قديمةٍ وحديثة في إدارة القطاع، يتجمع في تشكيل تعقيداتها المكوّن العام والخاص والوضع الداخليّ والخارجي، فتدفع الحكومة إجمالي الكلفة الثابتة (كلفة بدل الاستثمار) من خلال شركة الكهرباء الوطنية لجميع محطات توليد الطاقة الكهربائية العاملة في المملكة حوالي 500 مليون دينار سنوي.
لكن هذه التحديات إن استطعنا تحويلها لفرص استثمارية ستحقق التنمية المستدامة المنشودة، فالأردن بحاجة ملحة للمياة وأهم المشاريع المستدامة هي التحلية سواء من البحر الأحمر او المياه الجوفية المالحة في حسبان والازرق وغيرها من المناطق، فالكلف الرئيسية في الانتاج والتشغيل هي تكلفة الطاقة، واذا تم فتح المجال لشركات التوليد الكهربائية ببيع منتجات اخرى غير الطاقة كالمياة مثلا من خلال مشاريع التحلية وتوجيه انتاج الكهرباء لغايات التحلية وبيع المياة للدولة، سنكون قادرين على زيادة كميات المياة للشرب والزراعة التي ستساهم بتغيير النمط الزراعي وفتح افاق استثمارية بالقطاع الزراعي والتطوير الحضري.
فالطاقة والمياه من القطاعات سريعة النمو وأحد أهم القطاعات الاستراتيجية في المملكة، والتكامل بينهم سوف يساهم بتشجيع الإستثمار، ويفتح الآفاق لتعزيز الامن الغذائي وزيادة القيمة المضافة للتنافسية لتسويق المنتجات، فمثلا نمتلك مساحات زراعية كبرى وقريبة لمصادر التحلية للمياه في جنوب المملكة، واذا تم تطوير واستغلال الاراضي الزراعية، ستحقق مكاسب اقتصادية من الزراعة وصناعة الاغذية، وينعكس ذلك على تنشيط سلاسل التزويد والتصدير من خلال مشاريع النقل، ويسهم بزيادة عمليات الشحن الجوي من مطار الملك حسين في العقبة، وهنا تتضح الحلقة الاقتصادية بشكل أكبر، حيث الإيرادات تتحقق من نشاطات تجارية مختلفة تخلق فرص عمل في العديد من القطاعات للشباب الذين يعانون من قلة فرص التوظيف ونسب بطالة غير معقولة، وايضا تساهم بتقليل الاثر البيئي الناتج من الصناعات التعدينية في المنطقة.
فالتكامل الإقتصادي أداة فاعلة في خلق نسيج من التعاون الوثيق وتبادل الخبرات والتقنيات ما يولد منتجات ذات مواصفات عالية تحقق التميز في الأسواق العالمية، وتشكل نقلة نوعية في هيكل الاقتصاد الإردني بما يفيد المستهلك بالدرجة الأولى ويعود بالربح على المنتج ليعزز الإستثمارات، ويعد ذلك عاملا مهماً لتلبية متطلبات المرحلة المقبلة وضرورات النمو الاقتصادي، خصوصاً في ظل التطورات والمتغيرات المتسارعة التي تشهدها الساحة الدولية والإقليمية.