حقا إنه زمن حيرة الحليم فعلا، فنحن اليوم في دوامة.. مرض يخطف مائة روح ويصيب الآلاف يوميا، فقر وبطالة وحجر جزئي وشكوى لا تتوقف من تبعاته من جانب القطاع الخاص، إقتصاد يئن، تغير قسري في عاداتنا وتقاليدنا وتباعد موحش تفرضه الجائحة، إشاعات ومعلومات لا تبعث على سكينة أو طمأنينة، وغير ذلك كثير مما لا يسر بالا.
وسط هكذا حال، تبحث بين الزوايا عن "رجل رشيد" على النحو الذي كان، وبالكاد تجده، وإن وجدته فحاله أيضا حال الحليم الحيران ماذا يقول وماذا بمقدوره أن يفعل، والتهم جاهزة وفورا عما يريد من قول كلمة خير.
صرنا كمن ينتظرون الخبر السيء ولا حول ولا قوة إلا بالله، بين عشية وضحاها. طوفان هادر لا يرحم ولا يتوقف من التغريد والنعيق والتراشق بالإتهامات والإشاعات وإثارة الفتن التي لا تتقي الله في شعب ووطن.
هل غدا الأردن الذي كان مضرب المثل برجاله الكبار وسجية "النشامى" التي يصفنا بها أهلنا العرب، بلا رجال راشدين فكاكي نشب يقدر الناس كلمتهم ويحترمون آراءهم!. هل هناك خصوم أعداء يريدون جرنا صوب هاوية الفوضى وبأيدينا وبأقدامنا نحن قبل سوانا!.
مائة جنازة كل يوم تعني ببساطة أن هناك عشرة آلاف أردني وأردنية على الأقل تغشاهم الحزن واليتم والترمل، فهل هذا أمر عادي مثلا!!. ومع ذلك، بتنا كمن يتصيدون أخطاء بعضهم بعضا بحثا عن موضوع للحديث.
لا أدري، هل بات الأردن بلا رجال عقلاء حكماء يجبرون الكسر قبل وقوعه على نحو ما كان الآباء والأجداد الذين بنوا لنا وطنا باهينا به القريب والبعيد!.
لماذا يصمت الرجال الذين عليهم "عتب" فلا تسمع لهم ركزا إلا من رحم ربنا على قلتهم!، هل الأردن "مخلى قوم" مثلا ولا شأن لأحد بما يعاني من فوضى الحديث!.
نعم.. يا عمار يا بلدنا الذي يعرفه جيلي، يا عمار يا بلد الشهامة والكرامة والحياء وفروسية الأخلاق وتقوى الله في القول والعمل، يا عمار يا بلد الخير لا الشر ويا أرض الرجال الرجال الذين ما ناموا وفي الحي متخاصمان.
وين الدنيا.. ووين أهلها.. وأستحضر واقعة سمعت عنها تلخص حجم رجولة الأردنيين كابرا عن كابر، ففي زمن مضى جيء برجل ليدلي بشهادة عن حادثة شهدها من بعد فقال "شفت ساقن يلمع ورجل يدفع والله أعلم هوه ينفع ولا ما ينفع". لاحظوا هنا دقة الوصف الذي ينجي من تهلكة، على لسان رجل رجل!.
صحيح ليس لهذا القول مناسبة حاليا، لكنني أوردته فقط للدلالة على نوعية معادن الرجال الذين تبنى على أكتافهم أوطان شامخة. بأمانة، هم موجودون في كل مدينة وقرية ومخيم وبادية، لكنهم حييون لا يقدمون أنفسهم ولا ينافقون ولا يتزلفون، ولذلك فبيوتهم أولى بهم.
لا أمانع في حيائهم وفي بيوتهم أولى بهم، لكن الوطن اليوم بحاجتهم للرشد وللنصيحة ولإشاعة الحق ونصرته ورد الأذى ومواجهة العاديات والتحديات والإسهام في إصلاح الخلل وإصلاح ذات البين ومنع الفتن، ونبذ كل ممارسة شريرة تريد ببلدنا شرا.
نعم.. يا عمار يا بلدنا، وتبقى عمارا بعون الله وحفظه حتى لو تخلى عنك كل رجالك، وأنت الذي لم يبخل على أحد منهم هم وسواهم من ضيوفك العرب يوما.
الله وحده من وراء قصدي.