مسار طواحين العدوان (صور)
عبدالرحيم العرجان
03-04-2021 11:31 AM
اخترنا الربع الأخير من مجرى سيل الزرقاء "يابوق" لمسار ريفي حيث المشهد ربيعيّ النسيم.
كانت البداية من طواحين العدوان وهو الأشهر على نهر الزرقاء "يركا" الذي اختفت الأسماك من مياهه بعد أن تلوثت منذ عهد قريب، وما زلنا نسمع ذكرياتها من الآباء والأجداد، ورحل صيدهم واصطيافهم هناك، وعن منبعه في عمان قبل بناء سقف اسمنتي لمجراه أسفل شارع قريش بوسط البلد.
أقام الشيخ عدوان النمر أخو رشيدة الخزاعلة طاحونته على الجزء الجنوبي من السيل بمجرى لجر الماء لبرجها الثلاثي المسارب؛ لتنهمر وتحرك حجر الرحى الذي صمت بعد أن تغيرت التقنية وهجر لمحراث وتمدن الفلاح وأصبح قمحنا أبيض يأتينا من بعيد لبلاد لم يزرها منا الكثير، لتصبح من التراث والذاكرة الوطنية ضمن أراضي عشيرة بني حسن الخصبة على الطريق الإسفلتية الواصل بين الزرقاء وجرش وليس ببعيد بدرب إيلاف قريش وطريق تراجان الحجري بين فيلادلفيا وجراسا.
اخترنا مسار استجمامي سهل ضمن الطرق الريفية لشمالي السيل، حيث سفوح مشرفة على المجرى الذي كان يضيق ويتسع عابرين مزارع وكروم فيها مما طاب ولذ، ومستنبتات مجاورة لها النخل والزيتون مستغلة كل شبر بمستوى عالٍ من التقنية، بمشاهد لا تتركك إلا بالتقاط العديد من الصور لتسلسلها اللوني وترتيبها الهندسي العفوي الذي حظي ارتفاع مسارنا فاكتمل المشهد من أعلى.
ما من خطوة إلا كان بها النبات الجديد؛ فشقائق النعمان والأقحوان والشومر تفتحت لتكون سيدة الطريق، وما احتضنته من حشرات تمتص رحيق بتلاتها وتلقح أخريات بتكامل فطري لدورة الحياة، مصادفين بينها عدد من السلاحف خرجت لتقتات مع الصباح بين نتش البلان والحندقوق الذي تغنينا بشذاة في اغانينا الشعبية.
شدنا ضخامة الكينا "الكافور" الذي قد جاء به الجند الأستراليون أبان الحرب العالمية الأولى عام 1916، عندما ناصروا حليفتهم بريطانيا أبان انتداب الوطن بزراعته حول معسكراتهم لسرعة نموه وطرده للحشرات المؤرقة لصفوة الليل من هسهس وناموس وذباب ولكثافته لتموية قواعدهم، واستغل المزارعين اخشابه حتى يتم صناعة صناديق منتجاتهم لغاية حل مكانة الفلين الأبيض والكرتون المقوى، اخترنا استراحتنا بين هذه السلسلة من الأشجار ونحن نقرأ سجل ما كتب عليها المارون من تذكار؛ فمحمود قلبه تعلق بليلى دون أن يصرح باسم عائلتها، وخالد دوّن تاريخ زيارته ورأينا "الله اكبر". وهنا كانت المفاجئة، فقد رأينا فرخ افعى قد خرج من بين الشقوق مع أنه ليس بالخطير، ولكن هذا مؤشر لوجود غيره، فهذا موسم خروجهم من الجحور جائعين مع ارتفاع درجات الحرارة بما يعرف بالمواقيت الزراعية العربية "بسعد الخبايا".
لم يعكر صفونا الفرخ ولم نتدخل بخروجه إلينا فهذه هي الطبيعة لكل منا مكان ودور وحق حياة، فلولا الأفعى لكثرت القوارض ونشرت الأمراض، وحتى حين يتدخل خليفة الله في الأرض، فهي تتكيف بسرعة، لأن المكان لها وهو ما شاهدناه، حيث أن نبات الصبار احتضن السياج ونبتته المديدة والتفت عليه وعلى اشواكه الحديدية العتيقة المتأكسدة الدخيلة على محيطها، والحلازون متمسك على ما جف من جذوع نباتات هشة متراقص بثبات لانحنائها للريح، في حين أن البرد ترك ضفدعًا متجمدا بعد أن ظل الطريق.
استكملنا رحلتنا متخللين وادي الدبية وسنامة والعبارة، وما قابلهم من القنية وسمارة والرداسة، بين جبال العالوك وعرقوب ابن حداد ورجمة المذكور بتوثيقات البعثة الأمريكية لدراسة الشرق 1937 وصروات والمسرة، لننهي المسار عند التقاء الوادي بوادي جرش الذي يصب مياهه في سد الملك طلال لري مزروعات الأغوار حتى مشارف نهر الاردن، قاطعين اثناعشرة كيلومتر من تجدد الحياة.