أُمي والسودان وأولاد الحرام والدولة المدنية
د.مهند مبيضين
01-04-2021 12:03 AM
السر في التراجع والتأخر الخلايا التابعة للأنظمة التي كانت تصور كل دعوة للتقدم بأنها عمالة وجاسوسية ومحاولة انقلاب على الشرعية، والسر في الردى الذي نزل في الأمة وعدم تصديق الكثيرين كون الإسلام نظام حياة، وانه ليس بنظام حكم. والسر في تأخرنا الراهن في العقول مهما بلغ عمرها إذا كانت مُعتلة، وفي المضمون الذي افرغت منه الثورات، ولا ثورة حتى الآن اكتملت، لكن السودان في ثورته وفي مخرجاتها يبدو أنه يشق طريقاً مختلفاً، مع ضرورة التحذير من الغرق في الخصوصية دوماً، والعيش على تلك المقولات.
السودان المصري، والسودان المهدي والسودان الإخواني: كلها انتهت منذ حزيران 1989 إلى سودان الترابي والبشير، ذهب الترابي بكل ما له وعليه من عضد للمستبد ومن تذاكي عليه، وبقي البشير وألبس السودان ثوب البؤس والشقاء، ولا يمكن تجاهل إراث الرجلين، لكن السودان الراهن هو المهم بالنسبة لنا.
حين قامت ثورة الشباب السوداني المجيدة على نظام البشير المتخلّف، الذي لم يقد السودان إلا لمزيد من التأخر، وبتأييد في أول الأمر من حركة الإخوان المسملين تشكلت حكومة جبهة الانقاذ، وما كان في السودان خاسر من حقبة البشير وزبانيته وحلفائه من الإخوان، إلا الشعب الذي عوقب قسرياً بالتخلف والاستبداد والسجون وتذرير الوطن ونهب خيراته.
نعم تحالف الإخوان مع الاستبداد، والطاغية البشير الذي يحاكم اليوم، وفضل الإخوان دوماً الحكم المطلق لأنه يمكنهم التحالف معه، واقناعه بأنه مستهدف وانهم مستهدفون لانهم يريدون حكم الله.
اليوم يسير السودان إلى مرحلة انتقالية جيدة، أفضل بكثير من حقبة السجون والأيمان التي كان يقطعها البشير وهو على ظهر الشاحنة او من سيارته العسكرية، ويحمل عصا من خيزران لأنه ولي أمر السودانين، فالعصى قطعة من أثاث السلطة الهشّة دوماً، يهش بها الحاكم الراعي على رعيته المنكوبة به، وهو نموذج كان يفضله البشير وأولاد الحرام الذين سرقوا السودان واغرقوه نهباً واستبداداً، وكان يردد في أيمانه: «يمين ثلاثا بالله العظيم إلا ندمر من يمد يده على السودان»، وفي النهاية قسم السودان ووقع في قفص التخلف كما البشير اليوم في قفص الاتهام، ومدت يد الأغراب ليس في السودان وحسب بل في جيب المواطن الفقير وفي مائه ومشربه.
رئيس المجلس الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان وقع قبل أيام مع الحركة الشعبية لتحرير السودان- قطاع الشمال إعلان مبادئ ينصّ على فصل الدين عن الدولة في السودان» والعسكر دوماً أقرب للمدنية منهم للدولة الدينية، وهذا التوقيع قد يجلب الخير للسودان أكثر. مما هدّدَ به الاتحاد السوداني للعلماء والأئمة والدعاة، الذي رفض اتفاق فصل الدين عن الدولة واعتبره انتهاكا لإرادة غالبية السودانيين. ووصف الاتحاد هذا الاتفاق بأنه»تجاوز لرئيس المجلس السيادي عبدالفتاح البرهان لحدود ما أنزل الله..وفيه تجاوز وطغيان وبغي وعدوان، وانتهاك لإرادة الغالبية العظمى من شعب السودان المسلم الذي له هويته وخصوصيته، نسي العلماء الأفاضل أن الله كان قد انزل على سيدنا محمد عليه افضل الصلوات، ما كان ممكنا للبشير ان يتبدره من نصوص العدل والكرامة وحرمة النفس، لكنه كان أكثر من تجاهلها وعصى امر ربه، لكنهم لم ينبسوا ببنت شفة أيام الكيزان بلغة أهل السودان.
صحيح أنني شخصياً لا احب البرهان، لكن خطوته افضل بكثير من حكم البشير وأعوانه من الذي زينوا استبدادا باسم حكم الله في الأرض واقامة الشرع، وانهكوا الشعب واذلوا وهجروا كفاءاته.
نعم السودان بلد خير وخيرات، ومودات وثورات، ويستحق التأييد والدعم في مساره الاتنقالي، لكن ما نخاف من السودان/، هو ما تدعو لي به أمي حفظها الله، بقولها:» ربنا يحميك من أولاد الحرام»، وهو ما ندعو به للسودان على لسان امتهاتنا» اللهم احم السودان من أولام الحرام ومدعي حراسة الدين والشرع ممن ايدوا عمر البشير وكل مستبد، وقد كنت وعدت الصديق السوداني النبيل الدكتور أشرف عبد الحي ونحن نتابع ثورة شباب وعمال السودان ان نكتب هذا المقال، فأرض السودان وشعبها كرام وأهل طيب ويستحقون ما هو الأفضل.
(الدستور)